توضيح ذلك يقضى رسم أمور:
الامر الأول:
في شرح ما قيل في معنى الاسم: من أنه ما دل على معنى في نفسه أو قائم بنفسه، والحرف ما دل على معنى في غيره أو قائم بغيره، وقبل ذلك ينبغي الإشارة إلى ما يراد من المعنى والمفهوم.
فنقول: المراد من المعنى والمفهوم هو المدرك العقلاني، الذي يدركه العقل من الحقائق، سواء كان لتلك الحقايق خارج يشار إليه، أو لم يكن، وذلك المدرك العقلاني يكون مجردا عن كل شئ وبسيطا غاية البساطة، بحيث لا يكون فيه شائبة التركيب، إذ التركيب من المادة والصورة انما يكون من شأن الخارجيات، واما المدركات العقلية فليس فيها تركيب، بل لا تركيب في الأوعية السابقة على وعاء العقل من الواهمة والمتخيلة بل الحس المشترك أيضا، إذ ليس في الحس المشترك الا صورة الشئ مجردا عن المادة، ثم يرقى الشئ المجرد عن المادة إلى القوة الواهمة، ثم يصعد إلى أن يبلغ صعوده إلى المدركة العقلانية، فيكون الشئ في تلك المرتبة مجردا عن كل شئ حتى عن الصورة، فالمفهوم عبارة عن ذلك المدرك العقلاني الذي لا وعاء له الا العقل، ولا يمكن ان يكون ذلك الشئ في ذلك الوعاء مركبا من مادة و صورة، بل هو بسيط كل البساطة.
وما يقال: من أن الجنس والفصل عبارة عن الاجزاء العقلية، فليس المراد ان المدركات العقلية مركبة من ذلك، بل المراد ان العقل بالنظر الثانوي إلى الشئ يحكم: بأن كل مادي لابد وأن يكون له ما به الاشتراك الجنسي، وما به الامتياز الفصلي، والا فالمدرك العقلي لا يكون فيه شائبة التركيب أصلا، فمرادنا من المعنى والمفهوم في كل مقام، هو ذلك المدرك العقلي.
إذا عرفت ذلك فنقول:
في شرح قولهم: ان الاسم ما دل على معنى في نفسه، أو قائم بنفسه، هو ان المعنى الأسمى مدرك من حيث نفسه، وله تقرر في وعاء العقل، من دون ان يتوقف ادراكه على ادراك امر اخر، حيث إنه هو بنفسه معنى يقوم بنفسه في مرحلة التصور و