فالمقام يكون نظير تعلق الامر النفسي بصلاة الظهر، مع الامر المقدمي بها، من حيث كونها مقدمة وجودية لصلاة العصر، فان الامر النفسي متعلق بذات صلاة الظهر، والامر المقدمي تعلق بها بوصف كونها مأمورا بها، إذ ليست ذات صلاة الظهر مقدمة لصلاة العصر، بل صلاة الظهر المأتى بها بداعي أمرها وبما انها متعبد بها تكون مقدمة لصلاة العصر، فيختلف مركب الامر المقدمي مع مركب الامر النفسي. ولا يكون من اجتماع المثلين، ولا من اتحاد الامرين، كاتحاد الامر بالوفاء بالنذر مع الامر بصلاة الليل عند نذرها، لوحدة متعلق الامرين في مثل هذا، فان المنذور هو فعل ذات صلاة الليل، لا صلاة الليل بوصف كونها مستحبة، فان وصف الاستحباب لا يدخل تحت النذر، إذ لا يمكنه بعد النذر اتيان صلاة الليل بوصف كونها مستحبة، لصيرورتها واجبة بالنذر، والمنذور لا بد ان يكون مقدورا للناذر في ظرف الامتثال، فلابد ان يكون متعلق النذر هو ذات صلاة الليل، والامر الاستحبابي أيضا تعلق بالذات، فيتحد متعلق الامر الاستحبابي المتعلق بالذات مع متعلق الامر الوجوبي الآتي من قبل الوفاء بالنذر، ومعلوم ان الامر الاستحبابي يندك حينئذ في الامر الوجوبي، كما أن الامر التوصلي الآتي من قبل النذر يكتسب التعبدية، فيكتسب كل من الامر الوجوبي والاستحبابي من الاخر ما يكون فاقدا له، فالامر الوجوبي يكتسب التعبدية، والامر الاستحبابي يكتسب الوجوب، لان الفاقد يكون من قبيل اللامقتضى، والواجد يكون من المقتضى. ولا يعقل في مثل هذا بقاء الامر الاستحبابي على حاله، لما عرفت من وحدة المتعلقين، فيلزم اجتماع الوجوب والاستحباب في شئ واحد.
وهذا بخلاف مثل الامر الآتي من قبل الإجارة إذا آجر الشخص نفسه لما يكون مستحبا على الغير أو واجبا، فأن الامر الوجوبي الآتي من قبل الوفاء بالعقود انما يكون متعلقا بالعمل بوصف كونه مستحبا على الغير أو واجبا عليه، لا بما هو ذات العمل حتى يلزم اجتماع الضدين أو المثلين، لان الشخص انما صار أجيرا لتفريغ ذمة الغير، ولا يحصل ذلك الا بقصد الامر المتوجه إلى ذلك الغير، فيكون متعلق الإجارة هو العمل المأمور به بوصف كونه كذلك.