ولا يخفى أنه لا يكاد يأتي القسم الأول هنا فإن انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد ايجابه لا أنه يوجب استحبابه أصلا ولو بالعرض والمجاز إلا على القول بالجواز، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان فإنه لو لم يؤكد الايجاب لما يصحح الاستحباب إلا اقتضائيا وبالعرض والمجاز.
فتحصل: أن الحق عدم جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء ولو كان بعنوانين، وأن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون الذي هو متعلق فعل المكلف لا عنوانه ضرورة أن البعث والزجر لا يصح إلا بالنسبة إلى المعنون لا العنوان والعنوان إنما يؤخذ في متعلقات الأحكام آلة للحاظ المعنون لا مستقلا. فلو اجتمع الأمر والنهي في شيء واحد ولو بعنوانين لزم اجتماع الضدين، لما عرفت من تضاد الأحكام وعدم إمكان اجتماعها في موضوع واحد، والاستدلال على جوازه بوقوع العبادات المكروهة في الشريعة، والوقوع أدل دليل على الإمكان قد عرفت فساده بما نقلنا من كلامه (قدس سره).
وحاصله: أن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له كصوم العاشوراء والنوافل المبتدأة في بعض الأوقات.
وثانيها: ما تعلق به النهي كذلك ويكون له البدل كالصلاة في الحمام.
وثالثها: ما تعلق به النهي لا بعنوانه وذاته، بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له خارجا كالصلاة في مواضع التهمة (1).
وقد عرفت أن النهي في القسم الأول من جهة انطباق عنوان راجح على الترك أو ملازم له، ويكون فعل العبادة وتركها من قبيل المستحبين المتزاحمين اللذين يتخير المكلف بينهما لو لم يكن أحدهما أهم وإلا يتعين الأهم لو اختار الإتيان بالأفضل لكن لو أتى بغير الأهم لاستحق الثواب عليه بخلاف الواجبين المتزاحمين، فإنه لو ترك الأهم وأتى بغيره لم يصح، ولا يستحق الثواب إلا بناء