وقد دخلت بعض هذه الانحرافات الطريقية الموجودة عند الأمم الأخرى إلى بلاد المسلمين بعد الفتوحات الإسلامية الأولى، واحتكاك المسلمين بالحضارات البشرية التي كانت موجودة آنذاك. واستطاعت هذه الطرق الغريبة أن تنمو وتزدهر في ظل أجواء خصبة في مجتمع المسلمين نتيجة الانحرافات المتراكمة، والخلل الذريع في التوجيه والترية بسبب إبعاد الأئمة (عليهم السلام) عن مقام التوجيه والإمامة للمجتمع الإسلامي.
وقد أطلق على هذا الهجين المشوه اسم (التصوف)، فاختلط الأمر على الكثير من الكتاب والباحثين فضلا عما شاع بين الأمة من التخبط والضياع، فلم يعد التمييز سهلا بين الطريق الذي رسمه الإسلام العزيز للسلوك وبين التصوف.
وقد وفق بعض علماء الإسلام - أعلى الله مقامهم - إلى إعطاء اصطلاح (العرفان) المنهج الإسلام في التربية والتهذيب تمييزا له عن التصوف.
والعرفان: هو عبادة الله سبحانه عن حب وإخلاص إلا عن رجاء، وثواب ولا عن خوف وعذاب، فالعرفان إذن طريق من طرق العبادة، عبادة الحب والإخلاص، ولا عبادة الخوف والرجاء.
وقد كان من جملة السالكين في هذا الطريق مصنف هذا الكتاب، الرجل الفذ، والعالم العابد الزاهد الفقيه الأخباري الأصولي المتكلم الجدلي، الشيخ الأجل جمال الدين أبو العباس، أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلي قدس الله نفسه وأفاض على تربته ينابيع رحمته.
وحاول البعض غمز المصنف قدس الله روحه واتهامه بالتصوف نتيجة لهذا الخلط الذي أشرنا إليه سابقا، وقد دافع بعض علمائنا الأعلام عن هذا الاتجاه الصحيح، وتوضيح المفاهيم الإسلامية الأصلية، منهم العالم العلامة الإمام السيد محسن الأمين قدس سره في رد هذه الأوهام بعد نقل ما في لؤلؤة البحرين قال ما لفظه: وربما يستشم منه الغمز فيه بذلك، وهذا منه عجيب، فالتصوف الذي ينسب إلى هؤلاء الأجلاء مثل ابن فهد، وابن طاووس، والخواجة نصير الدين،