ما ليس بعده في تطلب بيان حقيقة الحال، فلم يكتف بإقرار المقر بالزنا، بل استفهمه بلفظ لا أصرح منه في المطلوب وهو لفظ النيك الذي كان صلى الله عليه وآله وسلم يتحاشى عن التكلم به في جميع حالاته ولم يسمع منه إلا في هذا الموطن، ثم لم يكتف بذلك بل صوره تصويرا حسيا، ولا شك أن تصوير الشئ بأمر محسوس أبلغ في الاستفصال من تسميته بأصرح أسمائه وأدلها عليه. وقد استدل بهذين الحديثين على مشروعية الاستفصال للمقر بالزنا، وظاهر ذلك عدم الفرق بين من يجهل الحكم ومن يعلمه، ومن كان منتهكا للحرم ومن لم يكن كذلك، لأن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال.
وذهبت المالكية إلى أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرم. وقال أبو ثور: لا يلقن إلا من كان جاهلا للحكم، وإذا قصر الامام في الاستفصال ثم انكشف بعد التنفيذ وجود مسقط للحد فقيل يضمن الدية من ماله إن تعمد التقصير وإلا فمن بيت المال. وقيل على عاقلة الامام قياسا على جناية الخطأ، قال في ضوء النهار: والحق أنه إذا تعمد التقصير في البحث عن المسقط المجمع على إسقاطه اقتص منه، وإلا فلا يضمن إلا الدية لما عرفت من كون الخلاف شبهة اه. وهذا إنما يتم بعد تسليم أن استفصال المقر عن المسقطات المجمع عليها واجب على الامام، وشرط في إقامة الحد يستلزم عدمه العدم، كما هو شأن سائر الشروط على من عرف في الأصول والواجبات، والشروط لا تثبت بمجرد فعله صلى الله عليه وآله وسلم وليس في المقام إلا ذلك وغايته الندب، وأما الاستدلال على الوجوب بأن الامام حاكم والحاكم يجب عليه التثبت فيمكن مناقشته بمنع الصغرى، والسند أن الحاكم هو من يفصل الخصومات بين العباد عن الترافع إليه، ولا خصومة ههنا بل مجرد التنفيذ لما شرعه الله على من تعدى حدوده بشهادة لسانه عليه بذلك، وكون المانع مجوزا لا يستلزم القدح في صحة الحكم الواقع بعد كمال السبب وهو الاقرار بشروطه، وإلا لزم ذلك في الاقرار بالأموال والحقوق، فيجب على الحاكم مثلا بعد أن يقر عنده رجل بأنه أخذ مال رجل أن يقول له: لعلك أردت المجاز ولم يصدر منك الاخذ حقيقة لعلك كذا لعلك كذا، واللازم باطل بالاجماع فالملزوم مثله، وبيان الملازمة أن وجود المانع مجوز في الاقرار بالأموال والحقوق كما هو مجوز في الاقرار بالزنا، فتقرر لك بهذا أن إيجاب الاستفصال على الامام في مثل الاقرار بالزنا وجعله شرطا، لإقامة الحد بمجرد كونه حاكما غير منتهض، فالأولى التعويل على أحاديث الباب القاضية بمطلق مشروعية