أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع، قال: والسكران معتوه بسكره. وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة. وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه، والخلاف عند الحنابلة. وقد حكي القول بالوقوع في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن علي والهادي والمؤيد بالله. وحكي القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود. (احتج) القائلون بالوقوع بقوله تعالى: * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 43) ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف، وكل مكلف يصح منه الطلاق وغيره من العقود والانشاءات. وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو عن أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك. وقيل: إنه نهى للثمل الذي يعقل الخطاب. وأيضا قوله في آخر الآية: * (حتى تعلموا ما تقولون) * (النساء: 43) دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم، ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفا وهو غير فاهم؟ والفهم شرط التكليف كما تقرر في الأصول. (احتجوا) ثانيا بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الاثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر. وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره، إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام، وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا. وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع، واحتجوا ثالثا بأن ربط الاحكام بأسبابها أصل من الأصول المأنوسة في الشريعة، والتطليق سبب للطلاق، فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات.
وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقا؟ إن قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق، وإن قلتم أنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سببا. (واحتجوا) رابعا بأن