حقيقة في غير عصير العنب أو مجازا، لأن هذه الأحاديث غاية ما يثبت بها أن المسكر على عمومه يقال له خمر ويحكم بتحريمه، وهذه حقيقة شرعية لا لغوية. وقد صرح الخطابي بمثل هذا وقال: إن مسمى الخمر كان مجهولا عند المخاطبين حتى بينه الشارع بأنه ما أسكر، فصار ذلك كلفظ الصلاة والزكاة وغيرهما من الحقائق الشرعية، وقد عرفت ما سلف عن أهل اللغة من الخلاف. قوله: فجلد بجريدتين نحو أربعين الجريد سعف النخل، وفي ذلك دليل على مشروعية أن يكون الجلد بالجريد وإليه ذهب بعض الشافعية، وقد صرح القاضي أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط، وصرح القاضي حسين بتعين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة، وخالفه النووي في شرح مسلم فقال: أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب ثم قال:
والأصح جوازه بالسوط. وحكى الحافظ عن بعض المتأخرين أنه يتعين السوط للمتمردين، وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم. وهذه الرواية مصرحة بأن الأربعين كانت بجريدتين. وفي رواية للنسائي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضربه بالنعال نحوا من أربعين. وفي رواية لأحمد والبيهقي: فأمر نحوا من عشرين رجلا فجلده كل واحد جلدتين بالجريد والنعال. فيجمع بأن جملة الضربات كانت نحو أربعين إلا أن كل جلدة بجريدتين، وهذا الجمع باعتبار مجرد الضرب بالجريد وهو مبين لما أجمل في الرواية المذكورة في حديث أنس بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال. وكذلك ما في سائر الروايات المجملة، ولكن الجمع بين الضرب بالجريد والنعال في روايات الباب يدل على أن الضرب بهما غير مقدر بحد، لأنها إذا كانت الضربات بالجريد مقدرة بذلك المقدار فلم يأت ما يدل على تقدير الضربات بالنعال إلا رواية النسائي المتقدمة فإنها مصرحة أن الضرب كان بالنعال فقط نحوا من أربعين. وورد أيضا الضرب بالأردية كما في رواية السائب بن يزيد المذكورة. وفي حديث علي المذكور في جلد الوليد تصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين، وهو يخالف ما سيأتي من حديثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسن في ذلك سنة، ويمكن الجمع بأن المراد بالسنة المذكورة في الحديث الآتي هي الطريقة المستمرة، وفعل الأربعين في مرة واحدة لا يستلزم أن يكون ذلك سنة مع عدم الاستمرار كما في سائر الروايات. وقيل: تحمل