عليه وآله وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرق فيكون دليلا لمن قال: إنه يصدق اسم السرق على جحد الوديعة، ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد، كما يشعر به قوله في حديث ابن عمر بعد وصف القصة: فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها. وكذلك بقية الألفاظ المذكورة، ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت، فإنه يصدق على جاحد الوديعة بأنه سارق كما سلف، فالحق قطع جاحد الوديعة، ويكون ذلك مخصصا للأدلة الدالة على اعتبار الحرز. ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية، فلو علم المعير أن المستعير إذا جحد لا شئ عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع.
باب القطع بالاقرار وأنه لا يكتفى فيه بالمرة عن أبي أمية المخزومي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتي بلص فاعترف اعترافا ولم يوجد معه المتاع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أخالك سرقت، قال: بلى مرتين أو ثلاثا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقطعوه ثم جيئوا به، قال: فقطعوه ثم جاؤوا به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قل أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم تب عليه رواه أحمد وأبو داود وكذلك النسائي ولم يقل فيه مرتين أو ثلاثا وابن ماجة، وذكر مرة ثانية فيه قال: ما أخالك سرقت، قال: بلى. وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين حكاه أحمد في رواية منها واحتج به.
حديث أبو أمية قال الحافظ في بلوغ المرام: رجاله ثقات. وقال الخطابي: إن في إسناده مقالا، قال: والحديث إذا رواه رجل مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به، قال المنذري: وكأنه يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه، ويشهد له ما سيأتي في الباب