حزم هذا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم. قال الحاكم: قد شهر عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب ثم ساق ذلك بسنده إليهما، وسيأتي لفظ هذا الحديث في أبواب الديات، هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للجمهور. ومما يقوي ما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: وهم يقتلون قاتلها وسيأتي في باب أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء. ووجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة. ومما يقوي ما ذهبوا إليه أيضا أنا قد علمنا أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: * (لكم في القصاص حياة) * (البقرة: 179) وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة: منها كراهية توريثهن. ومنها مخافة العار لا سيما عند ظهور أدنى شئ منهن لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد. ومنها كونهن مستضعفات لا يخشى من رام القتل لهن أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال، فلا شك ولا ريب أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن، ولا سيما في مواطن الاعراب المتصفين بغلظ القلوب وشدة الغيرة والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية. (لا يقال) يلزم مثل هذا في الحر إذا قتل عبدا لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الامر. لأنا نقول: هذه المناسبة إنما تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحر لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع، ويعمل بها في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت. (وفي حديث الباب) دليل على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وسيأتي بيان الخلاف فيه. وفيه أيضا دليل على أنه يجوز القود بمثل ما قتل به المقتول وإليه ذهب الجمهور، ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى: * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * (النحل: 126) وقوله تعالى: * (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (البقرة: 194) وقوله تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى:
40) وما أخرجه البيهقي والبزار عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث البراء وفيه: ومن حرق حرقناه ، ومن غرق غرقناه. قال البيهقي: في إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته، وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز كمن