وقد وقع، وهو الظاهر من إطلاق النهي في الحديث، ولكنه يدل على جواز القتل إذا كان للباغي المذكور فئة قوله تعالى: * (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * (الحجرات: 90) والهارب والجريح لم يحصل منهما ذلك. وأجيب بأن المراد بالفيئة إلى أمر الله ترك الصولة والاستطالة. وقد حصل ذلك من الهارب والجريح الذي لا يقدر على القتال. وأما ما روي عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي أنه قال: لا تتبعوا موليا ليس بمنحاز إلى فئة فقد أجيب عن الاستدلال بمفهومه على جواز قتل من له فئة وأتباعه بأن إمامة علي قطعية وإمامة غيره ظنية ، فلا يكون الحكم متحدا، بل المتوجه الوقوف على ظاهر النهي المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو وإن كان فيه المقال السابق، ولكنه يؤيده أن الأصل في دم المسلم تحريم سفكه، والآية المذكورة فيها الاذن بالمقاتلة إلى حصول تلك الغاية، وربما كان ذلك الهرب من مقدماتها إن لم يكن منها. قوله: ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن استدل به على عدم جواز مقاتلة البغاة إذا كانوا في بيوتهم أو طلبوا منا الأمان، لأنهم إذا أغلقوا على أنفسهم فليسوا ببغاة في ذلك الوقت، واتصافهم بذلك الوصف شرط جواز مقاتلتهم كما في الآية.
وإذا طلبوا الأمان فقد فاؤوا إلى أمر الله تعالى، وهي الغاية التي أذن الله بالقتال إلى حصولها وقد حصلت. قوله: فأجمعوا على أن لا يقاد أحد ظاهره وقوع الاجماع منهم على عدم جواز الاقتصاص ممن وقع منه القتل لغيره في الفتنة، سواء كان باغيا أو مبغيا عليه. وقد ذهبت الشافعية والحنفية والامام يحيى إلى أنهم لا يضمنون ما أتلفوا أي البغاة. وحكى أبو جعفر عن الهادوية أنهم يضمنون. قوله:
لا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه فيه دليل على أنه لا يجوز أخذ أموال البغاة إلا ما كان منها موجودا عند القتال. قال في البحر: ولا يجوز سبيهم ولا اغتنام ما لم يجلبوا به إجماعا لبقائهم على الملة. وحكى عن أكثر العترة أنه يجوز اغتنام ما أجلبوا به من مال وآلة حرب. وحكى عن النفس الزكية والحنفية والشافعية أنه لا يغنم منهم شئ، ويدل على ذلك ما تقدم في الحديث المرفوع بلفظ:
ولا يغنم منهم. واعلم أن قتال البغاة جائز إجماعا كما حكي ذلك في البحر، ولا يبعد أن يكون واجبا لقوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي) * وقد حكي في البحر أيضا عن العترة