النزاع في مثله. وهكذا يجاب عن الاحتجاج بما كان عليه الصحابة من ضيق العيش. وظاهر الأدلة أنه يثبت الفسخ للمرأة بمجرد عدم وجدان الزوج لنفقتها بحيث يحصل عليها ضرر من ذلك. وقيل: إنه يؤجل الزوج مدة، فروي عن مالك أنه يؤجل شهرا، وعن الشافعية ثلاثة أيام، ولها الفسخ في أول اليوم الرابع. وروي عن حماد أن الزوج يؤجل سنة ثم يفسخ قياسا على العنين، وهل تحتاج المرأة إلى الرفع إلى الحاكم؟
روي عن المالكية في وجه لهم أنها ترافعه إلى الحاكم ليجبره على الانفاق أو يطلق عنه. وفي وجه لهم آخر أنه ينفسخ النكاح بالاعسار، لكن بشرط أن يثبت إعساره عند الحاكم والفسخ بعد ذلك إليها. وروي عن أحمد أنها إذا اختارت الفسخ رافعته إلى الحكم، والخيار إليه بين أن يجبره على الفسخ أو الطلاق. وروي عن عبد الله بن الحسن العنبري أن الزوج إذا أعسر عن النفقة حبسه الحاكم حتى يجدها وهو في غاية الضعف، لأن تحصيل الرزق غير مقدور له إذا كان ممن أعوزته المطالب وأكدت عليه جميع المكاسب، اللهم إلا أن يتقاعد عن طلب أسباب الرزق والسعي له مع تمكنه من ذلك فلهذا القول وجه. وذهب ابن حزم إلى أنه يجب على المرأة الموسرة إنفاق على زوجها المعسر ولا ترجع عليه إذا أيسر. وذهب ابن القيم إلى التفصيل وهو أنها إذا تزوجت به عالمة بإعساره أو كان حال الزواج موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها. وإن كان هو الذي غرها عند الزواج بأنه موسر ثم تبين لها إعساره كان لها الفسخ.
(واعلم) أنه لا فسخ لأجل الاعسار بالمهر على ما ذهب إليه الجمهور. وذهب بعض الشافعية وهو مروي عن أحمد إلى أنه يثبت الفسخ لأجل ذلك والظاهر الأول لعدم الدليل الدال على ذلك. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بأن النساء عوان في يد الأزواج كما تقدم أي حكمهن حكم الاسراء، لأن العاني الأسير، والأسير لا يملك لنفسه خلاصا من دون رضا الذي هو في أسره فهكذا النساء، ويؤيد هذا حديث: الطلاق لمن أمسك بالساق فليس للزوجة تخليص نفسها من تحت زوجها إلا إذا دل الدليل على جواز ذلك، كما في الاعسار عن النفقة ووجود العيب المسوغ للفسخ، وهكذا إذا كانت المرأة تكره الزوج كراهة شديدة، وقد قدمنا الخلاف في ذلك.