أخبرني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي فيم فارقوه وفيم استحل قتالهم؟ قال: لما كان بصفين استحر القتل في أهل الشام فرفعوا المصاحف فذكر قصة التحكيم، فقال الخوارج ما قالوا ونزلوا حروراء فأرسل إليهم علي فرجعوا ثم قالوا: نكون في ناحية فإن قبل القضية قاتلناه وإن نقضها قاتلنا معه، ثم افترقت منهم فرقة يقتلون الناس فحدث علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمرهم. وأخرج أحمد والطبراني والحاكم من طريق عبد الله بن شداد أنه دخل على عائشة مرجعه من العراق ليال قتل علي فقالت له عائشة: تحدثني عن أمر هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، قال: إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة وعتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص ألبسكه الله ومن اسم سماك الله به، ثم حكمت الرجال في دين الله ولا حكم إلا لله، فبلغ ذلك عليا فجمع الناس فدعا بمصحف عظيم فجعل يضربه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فقالوا: ماذا تسأل إنما هو مداد وورق ونحن نتكلم بما روينا منه، فقال:
كتاب الله بيني وبين هؤلاء، يقول الله في امرأة ورجل * (فإن خفتم شقاق بينهما) * (النساء: 35 الآية، وأمة محمد أعظم من امرأة ورجل، ونقموا علي أن كاتبت معاوية وقد كاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهيل بن عمرو * (ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * (الأحزاب: 21) ثم بعث إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع منهم أربعة آلاف منهم عبد الله بن الكواء، فبعث علي إلى الآخرين أن يرجعوا فأبوا فأرسل إليهم: كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما ولا تقطعوا سبيلا ولا تظلموا أحدا فإن فعلتم نبذت إليكم الحرب، قال عبد الله بن شداد: فوالله ما قتلهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم الحرام الحديث. وأخرج النسائي في الخصائص صفة مناظرة ابن عباس لهم بطولها. وفي الأوسط للطبراني عن جندب بن عبد الله البجلي قال: لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم فانتهينا إلى عسكرهم فإذا له دوي كدوي النحل من قراءة القرآن، وإذا فيهم أصحاب البرانس يعني الذين كانوا معروفين بالزهد والعبادة قال: فدخلني من ذلك شدة فنزلت عن فرسي وقمت أصلي وقلت: اللهم إن كان في قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه، فمر بي علي فقال لما حاذاني: نعوذ بالله من الشك يا جندب، فلما جئته أقبل رجل على برذون يقول: إن كان لك بالقوم حاجة فإنهم قد قطعوا