والأول هو المشهور. قوله: بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل ظاهره أن الخيار إلى الأهل الذين هم الوارثون للقتيل، سواء كانوا يرثونه بسبب أو نسب، وهذا مذهب العترة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه. وقال الزهري ومالك: يختص بالعصبة إذ شرع لنفي العار كولاية النكاح فإن عفوا فالدية كالتركة. وقال ابن سيرين:
يختص بالورثة من النسب إذ شرع للتشفي، والزوجية ترتفع بالموت فلا تشفي، وأجيب بأنه شرع لحفظ الدماء * (ولكم في القصاص حياة) * (البقرة: 179) ظاهر الحديث أن القصاص والدية واجبان على التخيير وإليه ذهب الهادوية والناصر وأبو حامد والشافعي في قول له وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه والناصر والداعي والطبري أن الواجب بالقتل هو القصاص لا الدية فليس للولي اختيارها لقوله تعالى : * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * (البقرة: 178) ولم يذكر الدية، ويجاب بأن عد الذكر في الآية لا يستلزم عدم الذكر مطلقا، فإن الدية قد ذكرت في حديثي الباب وأيضا تقدير الآية، فمن اقتص فالحر بالحر، ومن عفي له من أخيه شئ فالدية، ويدل على ذلك تفسير ابن عباس المذكور. وظاهر الحديث أيضا أن الولي إذا عفا عن القصاص لم تسقط الدية بل يجب على القاتل تسليمها. وروي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي في قول له والمؤيد بالله في قول له أيضا: أنها تتبع القصاص في السقوط، ويؤيد عدم السقوط قوله تعالى: * (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * (البقرة: 178) وأجاب القائلون بالسقوط بأن المعروف والاحسان التفضل لا الوجوب كما تقتضيه العبارة، لأن الوجوب يقتضي العقاب على الترك، والمعروف والاحسان لا يقتضيان ذلك بدليل قوله تعالى: * (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) * (البقرة: 178) ورد بأن التخفيف المذكور هو بالتخيير بين القصاص والدية لهذه الأمة بعد أن كان الواجب على بني إسرائيل هو القصاص فقط ولم يكن فيهم الدية، ولا شك أن التخيير بين أمرين أوسع وأخف من تعيين واحد منهما كما في كلام ابن عباس المذكور في الباب، ويدل على عدم سقوط الدية بسقوط القصاص حديث أبي هريرة وأبي شريح المذكوران. وقد أخرج الترمذي وابن ماجة حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: من قتل متعمدا أسلم إلى أولياء المقتول، فإن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها. وفي الكشاف في تفسير