صح أيضا عن ابن عباس وأبي بكر وعمر وابن مسعود وجماعة من التابعين، وحجة هذا القول إنه لما كان يمينا مغلظة غلظت كفارتها. الخامس عشر: أنه طلاق ثم أنها إن كانت غير مدخول بها فهو ما نواه من الواحدة فما فوقها، وإن كانت مدخولا بها فهو ثلاث وإن نوى أقل منها، وهو إحدى الروايتين عن مالك، ورواه في نهاية المجتهد عن علي وزيد بن ثابت، وحجة هذا لقول إن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يترتب عليه حكمه، وغير المدخول بها تحرم بواحدة، والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث. (واعلم) أنه قد رجح المذهب الأول من هذه المذاهب جماعة من العلماء المتأخرين، وهذا المذهب هو الراجح عندي إذا أراد تحريم العين، وأما إذا أراد به الطلاق فليس في الأدلة ما يدل على امتناع وقوعه به. أما قوله تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) * (النحل: 116) وكذلك قوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * فنحن نقول بموجب ذلك، فمن أراد تحريم عين زوجته لم تحرم، وأما من أراد طلاقها بذلك اللفظ فليس في الأدلة ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظ مخصوصة وعدم جوازه بما سواها وليس في قوله تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) * (البقرة: 230) ما يقضي بانحصار الفرقة في لفظ الطلاق، وقد ورد الاذن بما عداه من ألفاظ الفرقة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لابنة الجون: إلحقي بأهلك قال ابن القيم: وقد أوقع الصحابة الطلاق بأنت حرام، وأمرك بيدك، واختاري، ووهبتك لأهلك، وأنت خلية وقد خلوت مني، وأنت برية وقد أبرأتك ، وأنت مبرأة، وحبلك على غاربك، انتهى. وأيضا قال الله تعالى: * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * (البقرة: 229) وظاهره أنه لو قال: سرحتك لكفى في إفادة معنى الطلاق. وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز التجوز لعلاقة مع قرينة في جميع الألفاظ إلا ما خص، فما الدليل على امتناعه في باب الطلاق؟ وأما إذا حرم الرجل على نفسه شيئا غير زوجته كالطعام والشراب فظاهر الأدلة أنه لا يحرم عليه شئ من ذلك، لأن الله لم يجعل إليه تحريما ولا تحليلا فيكون التحريم الواقع منه لغوا، وقد ذهب إلى مثل هذا الشافعي، وروي عن أحمد أن عليه كفارة يمين.
(٦٠)