عن الحبلى، ولو كان تربيع الاقرار شرطا لقال لها إنما رددته لكونه لم يقر أربعا ، وهذه الواقعة من أعظم الأدلة الدالة على أن تربيع الاقرار ليس بشرط للتصريح فيها بأنها متأخرة عن قضية ماعز، وقد اكتفى فيها بدون أربع مرات كما سيأتي.
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس المذكور في الباب شهدت على نفسك أربع شهادات فليس في هذا ما يدل على الشرطية أصلا، وغاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بأنه قد استحق الرجم لذلك، وليس فيه ما ينفي الاستحقاق فيما دونه، ولا سيما وقد وقع منه الرجم بدون حصول التربيع كما سلف.
وأما الاستدلال بالقياس على شهادة الزنا فإنه لما اعتبر فيه أربعة شهود اعتبر في إقراره أن يكون أربع مرات ففي غاية الفساد. لأنه يلزم من ذلك أن يعتبر في الاقرار بالأموال والحقوق أن يكون مرتين، لأن الشهادة في ذلك لا بد أن تكون من رجلين، ولا يكفي فيها الرجل الواحد، واللازم باطل بإجماع المسلمين فالملزوم مثله، وإذا قد تقرر لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية والقاسمية من أن الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس، لأن تعدد الأمكنة فرع تعدد الاقرار الواقع فيها، وإذا لم يشترط الأصل تبعه الفرع في ذلك، وأيضا لو فرضنا اشتراط كون الاقرار أربعا لم يستلزم كون مواضعه متعددة، إما عقلا فظاهر لأن الاقرار أربع مرات وأكثر منها في موضع واحد من غير انتقال مما لا يخالف في إمكانه عاقل. وإما شرعا فليس في الشرع ما يدل على أن الاقرار الواقع بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم وقع من رجل في أربعة مواضع فضلا عن وجود ما يدل على أن ذلك شرط، وأكثر الألفاظ في حديث ماعز بلفظ أنه أقر أربع مرات، أو شهد على نفسه أربع شهادات، وأما الرد الواقع بعد كل مرة كما في حديث أبي بكر المذكور فليس في ذلك أنه رد المقر من ذلك الموضع إلى موضع آخر، ولو سلم فليس الغرض في ذلك الرد هو تعدد المجالس بل الاستثبات، كما يدل على ذلك ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من الألفاظ الدالة على أن ذلك الرد لأجله، ومما يؤيد ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب فإن فيه أنه جاء اليوم الأول فأقر مرتين فطرده، ثم جاء اليوم الثاني فأقر مرتين فأمر برجمه، وهكذا يجاب عن الاستدلال بما روى نعيم