البرء. واستدل صاحب البحر على الوجوب بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: اصبروا حتى يسفر الجرح. وأصله: أن رجلا طعن حسان بن ثابت فاجتمعت الأنصار ليأخذ لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم القصاص فقال: انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتص لكم فبرأ حسان ثم عفا. وهذا الحديث إن صح فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي، كما أنه قرينة لصرف النهي المذكور في حديث جابر إلى الكراهة. وأما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قرينة أن أمره الأنصار بالانتظار للوجوب لأن دفع المفاسد واجب كما قال في ضوء النهار، فيجاب عنه بأنه محل الحجة هو إذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتصاص قبل الاندمال، وهو لا يأذن إلا بما كان جائزا، وظهور المفسدة غير قادح في الجواز المذكور، وليس ظهورها بكلي ولا أكثري حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال أو مظنونة، فلا يجب ترك الاذن دفعا للمفسدة الناشئة منه نادرا، نعم قوله: ثم نهى أن يقتص من جرح الخ، يدل على تحريم الاقتصاص قبل الاندمال، لأن لفظ ثم يقتضي الترتيب فيكون النهي الواقع بعدها ناسخا للاذن الواقع قبلها.
باب في أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثوا منها إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها رواه الخمسة إلا الترمذي. وعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة رواه أبو داود والنسائي. وأراد بالمقتتلين أولياء المقتول الطالبين القود، وينحجزوا أي ينكفوا عن القود بعفو أحدهم ولو كان امرأة. وقوله: الأول فالأول أي الأقرب فالأقرب.
حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد، وهو حديث طويل هذا طرف منه، وقد بسطه أبو داود