لم يكن جاهليا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير فظاهره غير مراد. ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه ما أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصححه من حديث الحرث بن الحرث الأشعري من حديث طويل وفيه: من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الاسلام من عنقه وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وفي سنده جليد بن دعلج وفيه مقال وقال: من رأسه يدل من عنقه. قوله: فوا ببيعة الأول فالأول فيه دليل على أنه يجب على الرعية الوفاء ببيعة الامام الأول ثم الأول، ولا يجوز لهم المبايعة للامام الآخر قبل موت الأول. قوله: ثم أعطوهم حقهم أي ادفعوا إلى الامراء حقهم الذي لهم المطالبة به وقبضه، سواء كان يختص بهم أو يعم، وذلك من الحقوق الواجبة في المال كالزكاة، وفي الأنفس كالخروج إلى الجهاد، وظاهر الحديث العموم في المخاطبين.
ونقل ابن التين عن الداودي أنه خاص بالأنصار، وكأنه أخذه من كون المخاطب بذلك الأنصار كما في حديث عبد الله بن زيد، ولا يلزم من مخاطبتهم بذلك أن يختص بهم، فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين، ويختص ببعض المهاجرين دون بعض، فالمستأثر من يلي الامر، ومن عداه هو الذي يستأثر عليه، ولما كان الامر يختص بقريش ولاحظ للأنصار فيه خوطب الأنصار في بعض الأوقات وهو خطاب للجميع بالنسبة إلى من لا يلي الامر. وقد ورد ما يدل على التعميم، ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال: يا رسول الله إن كان علينا أمراء يأخذونا بالحق ويمنعونا الحق الذي لنا أن نقاتلهم؟ قال لا، عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم. وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا: سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وبايع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال لا ما صلوا ونحوه حديث عوف بن مالك الآتي. وفي مسند الإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال: أتاني جبريل فقال:
إن أمتك مفتتنة من بعد ك، فقلت: من أين؟ قال: من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الامراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء الامراء فيفتنون، قلت: فكيف يسلم من سلم منهم؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه.