أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) * (الزمر: 53) وقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء) * (النساء: 48) ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه. وما أخرجه الترمذي وصححه من حديث صفوان بن عسال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: باب من قبل المغرب يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوح للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها. وأخرج الترمذي أيضا عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وأخرج مسلم من حديث أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ونحو هذه الأحاديث مما يطول تعداده. (لا يقال) إن هذه العمومات مخصصة بقوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) * (النساء: 93) الآية. لأنا نقول: الآية أعم من وجه وهو شمولها للتائب وغيره وأخص من وجه وهو كونها في القاتل، وهذه العمومات أعم من وجه وهو شمولها لمن كان ذنبه القتل ولمن كان ذنبه غير القتل، وأخص من وجه وهو كونها في التائب، وإذا تعارض عمومان لم يبق إلا الرجوع إلى الترجيح، ولا شك أن الأدلة القاضية بقبول التوبة مطلقا أرجح لكثرتها، وهكذا أيضا يقال: إن الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار وهي متواترة فالمعنى كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب الحديث تدل على خروج كل موحد سواء كان ذنبه القتل أو غيره، والآية القاضية بخروج من قتل نفسا هي أعم من أن يكون القاتل موحدا أو غير موحد فيتعارض عمومان وكلاهما ظني الدلالة، ولكن عموم آية القتل قد عورض بما سمعته بخلاف أحاديث خروج الموحدين فإنها إنما عورضت بما هو أعم منها مطلقا، كآيات الوعيد للعصاة الدالة على الخلود الشاملة للكافر والمسلم، ولا حكم لهذه المعارضة أو بما هو أخص منها مطلقا، كالأحاديث القاضية بتخليد بعض أهل المعاصي نحو من قتل نفسه وهو يبني العام على الخاص، وبما قررناه يلوح لك انتهاض القول بقبول توبة القاتل إذا تاب، وعدم خلوده في النار إذا لم يتب، ويتبين لك أيضا أنه لا حجة فيما احتج به ابن عباس من أن آية الفرقان