علي المتقدم هناك. قوله: إلا ما فتق الأمعاء أي سلك فيها، والفتق الشق، والأمعاء جمع المعى بفتح الميم وكسرها. قوله: في الثدي أي في زمن الثدي وهو لغة معروفة، فإن العرب تقول: مات فلان في الثدي أي في زمن الرضاع قبل الفطام، كما وقع التصريح بذلك في آخر الحديث. قوله: انظرن من إخوانكن هو أمر بالتأمل فيما وقع من الرضاع، هل هو رضاع صحيح مستجمع للشروط المعتبرة؟ قال المهلب: المعنى انظرن ما سبب هذه الاخوة؟ فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حيث تسد الرضاعة المجاعة.
وقال أبو عبيد معناه أن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع هو الصبي لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع. قوله: فإنما الرضاعة من المجاعة هو تعليل للباعث على إمعان النظر والتفكر بأن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة هي حيث يكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعته، وأما من كان يأكل ويشرب فرضاعه لا عن مجاعة لأن في الطعام والشراب ما يسد جوعته بخلاف الطفل الذي لا يأكل الطعام. ومثل هذا المعنى حديث: لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم فإن إنشار العظم وإنبات اللحم إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن، وقد احتج بهذه الأحاديث من قال: إن رضاع الكبير لا يقتضي التحريم مطلقا وهم الجمهور كما تقدم. وأجاب القائلون بأن رضاع الكبير يقتضي التحريم مطلقا، وهم من تقدم ذكره عن هذه الأحاديث فقالوا: أما حديث لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء فأجابوا عنه: بأنه منقطع كما تقدم، ولا يخفى أن تصحيح الترمذي والحاكم لهذا الحديث يدفع علة الانقطاع، فإنهما لا يصححان ما كان منقطعا إلا وقد صح لهما اتصاله، لما تقرر في علم الاصطلاح أن المنقطع من قسم الضعيف. وأجابوا عن حديث: لا رضاع إلا ما كان في الحولين بأنه موقوف كما تقدم ولا حجة في الموقوف، وبما تقدم من اشتهار الهيثم بن جميل بالغلط وهو المنفرد برفعه، ولا يخفى أن الرفع زيادة يجب المصير إليها على ما ذهب إليه أئمة الأصول وبعض أئمة الحديث إذا كانت ثابتة من طريق ثقة والهيثم ثقة كما قاله الدارقطني مع كونه مؤيدا بحديث جابر المذكور. وأجابوا عن حديث فإنما الرضاعة من المجاعة بأن شرب الكبير يؤثر في دفع مجاعته قطعا، كما يؤثر في دفع مجاعة الصغير أو قريبا منه.
وأورد عليهم أن الامر إذا كان كما ذكرتم من استواء الكبير والصغير فما الفائدة في الحديث؟ وتخلصوا عن ذلك بأن فائدته إبطال تعلق التحريم بالقطرة من اللبن والمصة التي لا تغني من جوع، ولا يخفى ما في هذا من التعسف، ولا ريب أن سد الجوعة