الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الفتح: ورجاله ثقات مع إرساله انتهى. وهذان المرسلان يقويان مرسل عروة المذكور في الباب في دفع أصل الدية، وإن كان حديث عروة يدل على أنه لم يحصل منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا مجرد القضاء بالدية، ومرسل الزهري وعكرمة يدلان على أنه صلى الله عليه وآله وسلم وداه من عنده. وحديث محمود بن لبيد المذكور يدل على أن حذيفة تصدق بدية أبيه على المسلمين، ولا تعارض بينه وبين تلك المرسلات، لأن غاية ما فيها أنه وقع القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم بالدية أو وقع منه الدفع لها من بيت المال، وليس فيها أن حذيفة قبضها وصيرها من جملة ماله حتى ينافي ذلك تصدقه بها عليهم. ويمكن الجمع أيضا بين تلك المرسلات بأنه وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم القضاء بالدية ثم الدفع لها من بيت المال ثم تعقب ذلك التصدق بها من حذيفة. (وقد استدل) المصنف رحمه الله تعالى بما ذكره على الحكم فيمن قتله قاتل في المعركة وهو يظنه كافرا ثم انكشف مسلما.
وقد ترجم البخاري على حديث عائشة الذي ذكرناه فقال: باب إذا مات من الزحام.
وترجم عليه في باب آخر فقال: باب العفو في الخطأ بعد الموت. قال ابن بطال: اختلف على عمر وعلي عليه السلام هل تجب الدية في بيت المال أو لا؟ وبه قال إسحاق أي بالوجوب، وتوجيهه أنه مسلم مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين. وروى مسدد في مسنده من طريق يزيد بن مذكور أن رجلا زحم يوم الجمعة فمات فوداه علي رضي الله تعالى عنه من بيت مال المسلمين. وقال الحسن البصري، إن ديته تجب على جميع من حضر، وإلى ذلك ذهبت الهادوية. وقال الشافعي ومن وافقه: إنه يقال لولي المقتول: ادع على من شئت واحلف فإن حلفت استحققت الدية وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة، وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب، ومنها قول مالك دمه هدر وتوجيهه إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد. قوله: الآطام جمع أطم وهو بناء مرتفع كالحصن. قوله: توشقوه بالشين المعجمة وبعدها قاف أي قطعوه بأسيافهم، ومنه الوشيقة وهي اللحم يغلى ثم يقدد.