وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن المراد الحد المعروف، قال: وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد، ولم يستفسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيثارا للستر، بل استحب تلقين الرجل صريحا انتهى. ومما يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالحد المطلق في الأحاديث هو غير الزنا ونحوه من الأمور التي توجب الحد ما في حديث ابن مسعود الذي ذكرناه من قوله: فأصبت منها ما دون أن أمسها، فإن هذا يفسر ما أبهم في حديث أنس وأبي أمامة هذا إذا كانت القصة واحدة، وأما إذا كانت متعددة فلا ينبغي تفسير ما أبهم في قصة بما فسر في قصة أخرى، وتوجه العمل بالظاهر والحكم بأن الصلاة تكفر ما يصدق عليه أنه يوجب الحد، ولا شك ولا ريب أن من أقر بحد من الحدود ولم يفسره لا يطالب بالتفسير ولا يقام عليه الحد إن لم يقع منه ذلك لأحاديث الباب ولما سيأتي من أنها تدرأ الحدود بالشبهات بعد ثبوتها وتعيينها، فبالأولى قبل التفسير للقطع بأنها مختلفة المقادير، فلا يتمكن الامام من إقامتها مع الابهام، ويؤيد ذلك ما سلف من استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لماعز بعد أن صرح بأنه زنى.
باب ما يذكر في الرجوع عن الاقرار عن أبي هريرة قال: جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنه قد زنى فأعرض عنه، ثم جاءه من شقه الآخر فقال: إنه قد زنى فأعرض عنه، ثم جاءه من شقه الآخر فقال: يا رسول الله إنه قد زنى، فأمر به في الرابعة، فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هلا تركتموه رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: حسن. وعن جابر في قصة ماعز قال: كنت فيمن رجم الرجل أنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه قال: فهلا تركتموه وجئتموني