على إقامة الحدود والنهي عن الشفاعة فيه ما فيه أكمل دلالة على الفرق بين الشفاعة في الحد قبل الرفع وبعده. قوله: إنما هلك من كان قبلكم. في رواية: إنما هلك بنو إسرائيل وظاهر الحصر العموم، وأنه لم يقع الهلاك لمن قبل هذه الأمة أو لبني إسرائيل إلا بهذا لسبب. وقيل: المراد من هلك بسبب تضييع الحدود، فيكون المراد بالعموم هذا لنوع الخاص.
وفي حديث عائشة عند أبي الشيخ أنهم عطلوا الحدود عن الأغنياء وأقاموها على الضعفاء.
ومثله ما في حديث الباب أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه الخ. وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يأخذون الدية من الشريف إذا قتل عمدا والقصاص من الضعيف.
قوله: فقطع يد المخزومية فيه دليل على أنه يقطع جاحد العارية، وإليه ذهب من لم يشترط في القطع أن يكون من حرز وهو أحمد وإسحاق وزفر والخوارج كما سلف.
وبه قال أهل الظاهر وانتصر له ابن حزم. وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية، واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق ، والجاحد للوديعة ليس بسارق، ورد بأن الجحد داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب، كذا قال ابن القيم. ويجاب عن ذلك بأن الخائن لا يمكن الاحتراز عنه لأنه آخذ المال خفية مع إظهار النصح كما سلف، وقد دل الدليل على أنه لا يقطع، وأجاب الجمهور عن أحاديث الباب المذكورة في المخزومية بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا فيها من طريق عائشة وجابر وابن عمر وغيرهم، لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة. وفي رواية من حديث ابن مسعود: أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه ابن ماجة والحاكم وصححه وأبو الشيخ وعلقه أبو داود والترمذي.
ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا، قالوا: والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة، فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرق، فذكر جحد العارية لا يدل على أن القطع كان له فقط، ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بحالها وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف والقطع كان للسرقة، كذا قال الخطابي وتبعه البيهقي والنووي وغيرهما، ويؤيد هذا ما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف الخ، فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرق، ويمكن أن يجاب عن هذا بأن النبي صلى الله