عبادة وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة وهو قوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) * (الممتحنة: 12) ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف، والدليل على ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود في حديث عبادة هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال قرأ النساء. ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال: فتلا علينا آية النساء قال: أن لا يشركن بالله شيئا وللطبراني من هذا الحديث: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما بايع عليه النساء يوم الفتح. ولمسلم: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أخذ على النساء فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية، بل بعد صدور البيعة، بل بعد فتح مكة، وذلك بعد إسلام أبي هريرة بمدة، وقد أطال الحافظ في الفتح الكلام في كتاب الايمان على هذا فمن رام الاستكمال فليراجعه. (واعلم) أن عبادة بن الصامت لم يتفرد برواية هذا المعنى، بل روى ذلك علي بن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه: من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة وهو عند الطبراني بإسناد حسن ولفظه: من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارة له وللطبراني عن ابن عمر مرفوعا: ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب قال ابن التين: يريد بقوله فعوقب به أي بالقطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا، وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة إلا أن يريد قتل النفس فكنى عنه. وفي رواية الصنابحي عن عبادة في هذا لحديث : * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * (الانعام: 151) ولكن قوله في حديث الباب: فعوقب به هو أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيزا. قال ابن التين: وحكي عن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو إرداع لغيره. وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق. قال الحافظ: بل وصل إليه حق وأي حق، فإن المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان:
إن السيف محاء للخطايا. وروى الطبراني عن ابن مسعود قال: إذا جاء القتل محا كل شئ.
وللطبراني أيضا عن الحسن بن علي نحوه. وللبزار عن عائشة مرفوعا: لا يمر القتل بذنب إلا محاه فلولا القتل ما كفرت ولو كان حد القتل إنما شرع للارداع فقط