فمرت امرأة تحمل صبيا فثار الناس معها وثرت فيمن ثار فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: من أبو هذا معك فسكتت، فقال شاب خذوها أنا أبوه يا رسول الله فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا ما علمنا إلا خيرا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أحصنت؟ قال نعم، فأمر به فرجم وعن جابر بن عبد الله عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر عنده رجل أنه زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم وقد تقدم. ومن ذلك حديث الذي أقر بأنه زنى بامرأة وأنكرت، وسيأتي في باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت. ومن ذلك حديث الرجل الذي ادعت المرأة أنه وقع عليها فأمر برجمه، ثم قام آخر فاعترف أنه الفاعل، ففي رواية أنه رجمه، وفي رواية أنه عفا عنه، وهو في سنن النسائي والترمذي. ومن ذلك حديث اليهوديين فإنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كرر عليهما الاقرار، قالوا: ولو كان تربيع الاقرار شرطا لما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذه الواقعات التي يترتب عليها سفك الدماء وهتك الحرم. وأجاب الأولون عن هذه الأدلة بأنها مطلقة قيدتها الأحاديث التي فيها أنه وقع الاقرار أربع مرات، ورد بأن الاطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ، وجميع الأحاديث التي ذكر فيها تربيع الاقرار أفعال ولا ظاهر لها، وغاية ما فيها جواز تأخير إقامة الحد بعد وقوع الاقرار مرة إلى أن ينتهي إلى أربع، ثم لا يجوز التأخير بعد ذلك، وظاهر السياقات مشعر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك في قصة ماعز لقصد التثبت كما يشعر بذلك قوله له، أبك جنون ثم سؤاله بعد ذلك لقومه، فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد بعد صدور الاقرار مرة على من كان أمره ملتبسا في ثبوت العقل واختلاله والصحو والسكر ونحو ذلك، وأحاديث إقامة الحد بعد الاقرار مرة واحدة على من كان معروفا بصحة العقل وسلامة إقراره عن المبطلات. وأما ما رواه بريدة من أن الصحابة كانوا يتحدثون أنه لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يرجمه فليس ذلك مما تقوم به الحجة، لأن الصحابي يكون فهمه حجة إذا عارض الدليل الصحيح. ومما يؤيد ما ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قالت له الغامدية:
أتريد أن تردني كما رددت ماعزا؟ لم ينكر ذلك عليها كما سيأتي في باب تأخير الرجم