ابن عباس فقال: إني جعلت امرأتي حراما، قال: ليست عليك بحرام، قال: أرأيت قول الله تعالى: * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * (آل عمران: 93) الآية، فقال ابن عباس: إن إسرائيل كان به عرق الإنسي فجعل على نفسه إن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شئ وليست بحرام يعني على هذه الأمة. (وقد اختلف) العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا، فإن كان الزوجة فقد اختلف فيه أيضا على أقوال بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولا. قال الحافظ: وزاد غيره عليها. وفي مذهب مالك فيها تفاصيل يطول استيفاؤها. قال القرطبي قال بعض علمائنا: سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحا ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة فتجاذبها العلماء، فمن تمسك بالبراءة قال: لا يلزمه شئ، ومن قال: إنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * (التحريم: 2) بعد قوله: * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * (التحريم: 1) ومن قال: تجب الكفارة وليست بيمين بناه على أن معناه معنى اليمين فوقعت الكفارة على المعنى. ومن قال: يقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة، وأقل ما تحرم به المرأة طلقة ما لم يرتجعها. ومن قال: بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد. ومن قال: ثلاثا حمل اللفظ على منتهى وجوهه.
ومن قال: ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الامر عنده في الظهار انتهى. ومن المطولين للبحث في هذه المسألة الحافظ ابن القيم فإنه تكلم عليها في الهدى كلاما طويلا وذكر ثلاثة عشر مذهبا أصولا تفرعت إلى عشرين مذهبا، وذكر في كتابه المعروف بإعلام الموقعين خمسة عشر مذهبا وسنذكر ذلك على طريق الاختصار ونزيد عليه فوائد المذهب الأول: أن قول القائل لامرأته:
أنت علي حرام لغو وباطل لا يترتب عليه شئ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وبه قال مسروق وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء والشعبي وداود وجميع أهل الظاهر وأكثر أصحاب الحديث، وهو أحد قولي المالكية، واختاره أصبغ بن الفرج منهم واستدلوا بقوله تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) * (التحريم: 1) وبقوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * (النحل: 116) وسبب نزول هذه الآية ما تقدم وبالحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقد تقدم في كتاب الصلاة. القول الثاني: أنها ثلاث تطليقات