(لا يقال الحديث) مشكل من جهة أخرى وهي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذن لولي المجني عليه بالاقتصاص، ولو كان القتل خطأ لم يأذن له بذلك، إذ لا قصاص في قتل الخطأ إجماعا كما حكاه صاحب البحر وهو صريح القرآن والسنة. لأنا نقول: لم يمنعه صلى الله عليه وآله وسلم من الاقتصاص بمجرد تلك الدعوى لاحتمال أن يكون المدعي كاذبا فيها، بل حكم على القاتل بما هو ظاهر الشرع، ورهب ولي الدم عن القود بما ذكره معلقا لذلك على صدقه. قوله: أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك أما كون القاتل يبوء بإثم المقتول فظاهر، وأما كونه يبوء بإثم وليه فلأنه لما قتل قريبه وفرق بينه وبينه كان جانيا عليه جناية شديدة لما جرت به عادة البشر من التألم لفقد القريب والتأسف على فراق الحبيب ولا سيما إذا كان ذلك بقتله، ولا شك أن ذلك ذنب شديد ينضم إلى ذنب القتل، فإذا عفا ولي الدم عن القاتل كانت ظلامته بقتل قريبه وإحراج صدره باقية في عنق القاتل فينتصف منه يوم القيامة بوضع ما يساويها من ذنوبه عليه فيبوء بإثمه. قوله: قال يا نبي الله لعله أي لعله أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم بلى يعني بلى يبوء بذلك. وأما قوله في الرواية الأخرى بإثم صاحبه وإثمه فلا إشكال فيه، وهو مثل ما حكاه الله في القرآن عن ابن آدم حيث قال: * (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) * (البقرة: 282) والمراد بالبواء الاحتمال. قال في القاموس: وبذنبه وبواء احتمله أو اعترف به ودمه بدمه عدله وبفلان قتل به فقاومه انتهى. وقد استدل المصنف رحمه الله بحديث وائل بن حجر على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره وهو مما لا أحفظ فيه خلافا إذا كان الاقرار صحيحا متجردا عن الموانع.
باب ثبوت القتل بشاهدين عن رافع بن خديج قال: أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك له فقال: لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم؟ فقالوا: يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين، وإنما هم يهود قد يجترئون على أعظم من هذا، قال: فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده رواه أبو داود. وعن عمرو بن شعيب عن