سورة البقرة وكان فيها آية الرجم الشيخ والشيخة الحديث. وأما الجلد فقد ذهب إلى إيجابه على المحصن مع الرجم جماعة من العلماء منهم العترة وأحمد وإسحاق وداود الظاهري وابن المنذر تمسكا بما سلف. وذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن بل يرجم فقط وهو مروي عن أحمد بن حنبل، وتمسكوا بحديث سمرة في أنه صلى الله عليه وآله وسلم ليجلد ماعزا بل اقتصر على رجمه، قالوا: وهو متأخر عن أحاديث الجلد فيكون ناسخا لحديث عبادة بن الصامت المذكور، ويجاب بمنع التأخر المدعي فلا يصلح ترك جلد ماعز للنسخ لأنه فرع التأخر، ولم يثبت ما يدل على ذلك، ومع عدم ثبوت تأخره لا يكون ذلك الترك مقتضيا لابطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى، ولا ريب أنه يصدق على المحصن أنه زان، فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين الجلد والرجم للمحصن كحديث عبادة المذكور، ولا سيما وهو صلى الله عليه وآله وسلم في مقام البيان والتعليم لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنه فقال: خذوا عني خذوا عني فلا يصلح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وآله وسلم في بعض المواطن أو عدم بيانه لذلك أو إهماله للامر به، وغاية ما في حديث سمرة أنه لم يتعرض لذكر جلده صلى الله عليه وآله وسلم لماعز، ومجرد هذا لا ينتهض لمعارضة ما هو في رتبته فكيف بما بينه وبينه ما بين السماء والأرض. وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي، ولا سيما كون المقام مما يجوز فيه أن الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلوما من الكتاب والسنة، وكيف يليق بعالم أن يدعي نسخ الحكم الثابت كتابا وسنة بمجرد ترك الراوي لذلك الحكم في قضية عين لا عموم لها، وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم بعدة من السنين لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله، فكيف يخفى على مثله الناسخ وعلى من بحضرته من الصحابة الأكابر. (وبالجملة) أنا لو فرضنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بترك جلد ماعز وصح لنا ذلك لكان على فرض تقدمه منسوخا، وعلى فرض التباس المتقدم بالمتأخر مرجوحا، ويتعين تأويله بما يحتمله من وجوه التأويل، وعلى فرض تأخره غاية ما فيه أنه يدل على أن
(٢٥٥)