استدل بالحديث الأول، على أن أحكام القسامة مخالفة لما عليه سائر القضايا من إيجاب البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، فيندفع به ما أورده النافون للقسامة من مخالفتها لما عليه سائر الأحكام الشرعية، وقد تقدم تفصيل ذلك. واستدل بالحديث الثاني من قال بإيجاب الدية على من وجد القتيل بين أظهرهم، ويعارضه حديث عمرو بن شعيب المتقدم في الباب الأول فإن فيه أنه أعانهم بنصف الدية، ويعارض الجميع ما في المتفق عليه من حديث سهل بن أبي حثمة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقله من عنده فإن أمكن حمل ذلك على قصص متعددة فلا إشكال، وإن لم يمكن وكان المخرج متحدا فالمصير إلى ما في الصحيحين هو المتعين، ولا سيما مع ما في حديث أبي سلمة المذكور في الباب. وحديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب الأول من الحكم بالدية بدون أيمان. قوله: فقال للأنصار استحقوا فقال في القاموس: استحقه استوجبه اه. والمراد ههنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأنصار بأن يستوجبوا الحق الذي يدعونه على اليهود بأيمانهم، فأجابوا بأنهم لا يحلفون على الغيب.
باب هل يستوفى القصاص والحدود في الحرم أم لا عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال:
اقتلوه. وعن أبي هريرة قال: لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمسلمين، وإنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لا تحل لأحد بعدي.
وعن أبي شريح الخزاعي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقولوا له: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما