الصحابة رضي الله عنهم جعلوه كالصاحي ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة، كما بينا ذلك في أول الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس، فلا يكون قول بعضهم حجة علينا، كما لا يكون حجة على بعضهم بعضا، واحتجوا خامسا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية، لأنه إذا فعل حراما واحدا لزمه حكمه، فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل المحرم الآخر سقط عنه الحكم، مثلا لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة، فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر، ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الآخر وهو السكر، فإن ذلك مما لا يقول به عاقل، وإنما أسقطنا عنه حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل، وبيان ذلك أنه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط. ومن الأدلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل عليه هو وعلي: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ في قصة مشهورة، فتركه صلى الله عليه وآله وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة، مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفرا كما قال ابن القيم. وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة والخلاف إنما هو بعد تحريمها. وحكى الحافظ في الفتن عن ابن بطال أنه قال: الأصل في السكران العقل، والسكر شئ طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله انتهى. (والحاصل) أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الاحكام، وقد عين الشارع عقوبته، فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول يقع طلاقه عقوبة له فيجمع له بين غرمين. (لا يقال) إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية، وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف. لأنا نقول: الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية ، وأيضا السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالاتفاق، وإلا لزم وقوع طلاق المجنون. قوله: وقال عثمان الخ، علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة. قوله: وقال ابن عباس الخ وصله ابن أبي شيبة أيضا وسعيد بن منصور. وأثر على وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور، وقد ساق البخاري في صحيحه آثارا عن جماعة من الصحابة والتابعين. وأثر عمر بن الخطاب في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلا إسناده منقطع، لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن
(٢٤)