لأنه في كل ذلك إنما حكم بعلمه فقط وهو قولنا. واما حاكم بشاهد واحد أو بثلاثة في الزنا فهذا لا يجوز. واما شاهد حاكم معا ولم يأت نص ولا اجماع بتصويب هذا الوجه خاصة، ثم نظرنا في قول من فرق بين الحدود وغيرها فوجدناه قولا لا يعضده قرآن ولا سنة وما كان هكذا فهو باطل، فان ذكروا (ادرءوا الحدود بالشبهات) قلنا:
هذا باطل ما صح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين الحدود وغيرها في أن يحكم في كل ذلك بالحق فلم يبق الا قول من قال: لا يحكم الحاكم بعلمه في شئ وقول من قال: يحكم الحاكم بعلمه في كل شئ فوجدنا من منع من أن يحكم الحاكم بعلمه يقول: هذا قول أبى بكر: وعمر. وعبد الرحمن. وابن عباس. ومعاوية، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة فقلنا: هم مخالفون لكم في هذه القصة لأنه إنما روى أن أبا بكر قال: انه لا يثيره حتى يكون معه شاهد آخر وهو قول عمر. وعبد الرحمن أن شهادته شهادة رجل من المسلمين: فهذا يوافق من رأى أن يحكم في الزنا بثلاثة هو رابعهم وبواحد مع نفسه في سائر الحقوق، وأيضا فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضا فقد خالفوا أبا بكر. وعمر. وعثمان. وخالد بن الوليد. وأبا موسى الأشعري. وابن الزبير في القصاص من اللطمة ومن ضربة السوط ومما دون الموضحة وهو عنهم أصح مما رويتم عنهم ههنا، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك) * قال أبو محمد: وهذا قد خالفه المالكيون المحتجون به فجعلوا له الحكم باليمين مع الشاهد واليمين مع نكول خصمه وليس هذا مذكورا في الخبر، وجعل له الحنيفيون الحكم بالنكول وليس ذلك في الخبر، وأمروه بالحكم بعلمه في الأموال التي فيها جاء هذا الخبر فقد خالفوه جهارا وأقحموا فيه ما ليس فيه، فمن أضل ممن يحتج بخبر هو أول مخالف له برأيه وأما نحن فنقول: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينتك أو يمينه) ومن البينة التي لا بينة أبين منها صحة علم الحاكم بصحة حقه فهو في جملة هذا الخبر، واحتجوا بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام رأى رجلا يسرق فقال له عيسى: سرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو فقال عيسى عليه السلام: آمنت بالله وكذبت نفسي فقالوا: فعيسى عليه السلام لم يحكم بعلمه * قال أبو محمد: ليس يلزمنا شرع عيسى عليه السلام وقد يخرج هذا الخبر على أنه رآه يسرق أي يأخذ الشئ مختفيا بأخذه فلما قرره حلف وقد يكون صادقا لأنه أخذ ماله من ظالم له، وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها) وهذا لا حجة لهم فيه لان علم الحاكم أبين بينة وأعدلها وقد تقصينا هذه المسألة