وهل يكفي مجرد الامتناع عن الاستمرار أو لابد من التوبة؟ الظاهر استقرار السيرة في جميع الأعصار على مراقبة ظواهر الشرع والمنع عن التجاهر بالمعصية، ولم يكن بناء الأفراد ولا المحتسبين على التفتيش والتدخل في دخائل الناس أو الأمر والنهي بمجرد الاستصحاب ونحوه. وفي رواية محمد بن مسلم أو الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإن من تتبع عثرات أخيه تتبع الله عثراته، ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته " (1).
الشرط الرابع: أن لا يكون في الإنكار مفسدة. فلو ظن توجه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط الوجوب. وأرادوا بالضرر، الأعم مما في النفس أو العرض أو المال في الحال أو في المآل. والملاك في باب الضرر خوفه وهو يحصل مع الظن بل وبعض مراتب الاحتمال أيضا.
واستدلوا عليه بمثل ما رواه الصدوق عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: " والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه " (2). إلى غير ذلك من الأخبار.
أقول: ليس الغرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحصيل المثوبة مثلا، بل هما شرعا بمفهوم وسيع، لإصلاح المجتمع وقطع جذور المنكر والفساد.
ومقتضى رعاية ملاكات الأحكام ومصالحها أن يعامل مع الدليلين معاملة التزاحم، فلربما يريد أحد قتل واحد أو جماعة أو التجاوز على امرأة مسلمة محترمة مثلا ويكون نهيه وردعه موجبا لخسارة ما على الناهي.
وربما يكون المنكر منكرا فظيعا يتجاهر به ويكون في معرض السراية إلى