نظام الحكم في الإسلام - الشيخ المنتظري - الصفحة ١٧٥
ليس جدلا بأمر باطل خلاف الواقع، كما مر.
وما في تاريخ الطبري بسنده عن محمد بن الحنفية، قال: " كنت مع أبي حين قتل عثمان فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل، ولابد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال: " لا تفعلوا، فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا. فقالوا: لا والله، ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا (خفية) ولا تكون إلا عن رضى المسلمين " (1).
فجعل (عليه السلام) لرضى المسلمين اعتبارا وجعل الإمامة ناشئة منه.
وما في كتاب الحسن بن علي (عليهما السلام) إلى معاوية: " إن عليا لما مضى لسبيله...
ولاني المسلمون الأمر بعده... فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك " (2).
يظهر من الحديث أن التولية حق للمسلمين. والاعتراض على ذلك بكونه جدلا قد مر الجواب عنه، إلى غير ذلك من الموارد التي يعثر عليها المتتبع في خلال الروايات.
واعلم أنه ليس الغرض الاستدلال بكل واحد واحد من هذه الأخبار المتفرقة حتى يناقش في سندها أو دلالتها، بل المقصود أنه يستفاد من مجموع هذه الأخبار الموثوق بصدور بعضها إجمالا كون انتخاب الأمة أيضا طريقا عقلائيا لانعقاد الإمامة والولاية، وقد أمضاه الشارع أيضا (3)، فلا ينحصر الطريق

(١) تاريخ الطبري: ٦، ٣٠٦٦.
(٢) مقاتل الطالبيين: ٣٥.
(3) لازم هذا القول أن للناس خيارا في أن يجعلوا بالبيعة ولايتهم مطلقة لشخص واحد بنحو تتمركز فيه السلطات الثلاث ما دام هو واجد للشروط، كما هو ظاهر من كلمات الأستاذ - دام ظله - في هذا الكتاب، ومن كلمات القائلين بنصب الفقيه، ففي هذه الصورة تكون الولاية مطلقة، غير مقيدة بزمان وعمل معينين.
أو أن يجعلوا بالبيعة بعض ولايتهم لبعض الأشخاص مقيدة بزمان وعمل معينين ويتخذوه وليا. كما أن للناس أن يجعلوا بالانتخاب بعض الأشخاص وكلاء لبعض أمورهم المعينة لمدة معينة. ففي هاتين الصورتين يكون كل ولي أو وكيل مستقلا في عمله مسؤولا في قبال صاحب الأمر وهو الأمة. وللأمة أن تراقب كل مسؤول في حوزة عمله.
وقد مال الأستاذ إلى آراء جديدة؛ فإن تطور الآراء للمفكرين أمر طبيعي لا يستثنى منهم كبار المجتهدين، فقد يبدو لهم بعد مدة طويلة أو قصيرة ما يوجب تغير رأيهم في هذه المسألة أو تلك.
ومن الطبيعي أيضا أنه بعد مضي خمسة عشر عاما على تأليف الكتاب، والتطبيق العملي لولاية الفقيه المطلقة، المبنية على نظرية نصب الفقيه من قبل الإمام المعصوم (عليه السلام) واجهت هذه النظرية في تطبيقها مجموعة إنتقادات وإشكالات علمية، من ناحية فقهاء كبار في الحوزات العلمية وأساتذة الجامعات وحقوقيين متخصصين. وبعض هذه الإشكالات يرد على رأي الأستاذ في الكتاب، حيث تبنى نظرية ولاية الفقيه بانتخاب الناس، ولكنه قال بإطلاقها. وقد حافظ في آرائه الجديدة على أن ولاية الفقيه تكون بانتخاب الناس، لكنه قبل الإشكالات على إطلاق ولاية الفقيه، فأصلح بسبب ذلك عددا من آرائه، أهمها:
أ - أنه أفتى بجواز تفكيك السلطات الثلاث واستقلالها عن بعضها، وأنه يجوز للناس أن ينتخبوا مسؤولا لها - شخصا واحدا أو هيئة شورى - لمده محدودة وصلاحيات محددة لأن تمركز السلطات الواسعة بيد شخص واحد هو الولي الفقيه، يؤدي لا محالة إلى الاستبداد والاختلال.
وفي نظرية التفكيك أيضا قد ضمن تحقق الحكومة الإسلامية وعدم مخالفة قوانين البلد لأحكام الإسلام.
بل نرى أن الأستاذ - مد ظله - طرح أخيرا دمج القائد ورئيس الجمهورية، وسبب ذلك ما نشاهده اليوم من الصراع الشديد على السلطة بين خط القائد ومعه المسؤولون المنصوبون من قبله، مثل مجلس المحافظة على الدستور، ورئيس القوة القضائية، وأعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام، وأئمة الجمعة. وبين رئيس الجمهورية والمسؤولين المنصوبين من قبله، مثل الوزراء، والمحافظين، وبقية الجهاز التنفيذي.
وقد جر هذا الصراع أنواعا من المصائب والمشكلات على البلد. حتى أن الأستاذ المعظم كتب في أحد منشوراته: " وها نحن عمليا نشاهد تناقضا عجيبا! وذلك لأن المسؤوليات وضعت على عاتق رئيس الجمهورية، مع أن مراكز القوة الأساسية في يد القائد!! (الجيش والقوات النظامية والقوة القضائية والإذاعة والتلفزيون وغيرها وغيرها)، وهذا الأمر سبب وجود التضاد والخلل في إدارة البلد ". (كتيب الدولة الشعبية والدستور:
22).
وفي هذه الحالة يمكن إعطاء صلاحيات دستورية لمراجع التقليد، مثل الرقابة على تنفيذ القوانين، ونصب أعضاء مجلس المحافظة على الدستور، ونصب أئمة الجمعة، وإعلان ثبوت الهلال.
كما يمكن أن تكون الأهلية العلمية لأعضاء مجلس المحافظة على الدستور مشهودا بها من قبل مراجع التقليد، ثم يتم انتخابهم من قبل الناس.
كما يمكن أن تجعل أمور هي الآن من صلاحية القائد، من صلاحية رئيس الجمهورية، مثل عفو السجناء، ونصب أمير الحاج، وما شابه.
ب - كما يرى الأستاذ - مد ظله - أنه إذا لم يتم دمج منصب القائد ومنصب رئيس الجمهورية، وجعل صاحبه مسؤولا أمام الشعب، فإنه يجب حصر صلاحية القائد بالرقابة على عدم مخالفة قرارات مجلس النواب لأحكام الإسلام.
ج - وقد رجع الأستاذ - مد ظله - أخيرا أن يتم انتخاب رئيس السلطة القضائية من قبل مجلس الشورى، أو من قبل القضاة أنفسهم، بعد تأييد صلاحيته العلمية والعملية من قبل مراجع التقليد.
وكل هذه التفريعات في تفكيك السلطات، وكيفية انتخاب مسؤوليها، مبنية على أصل حاكمية الناس على أنفسهم الذي كان مبنى الأستاذ في الكتاب - م -.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست