وقال العلامة الطباطبائي: " والكلمة مأخوذة من البيع بمعناه المعروف، فقد كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا انجاز البيع أعطى البايع يده للمشتري... وبذلك سمى التصفيق عند بذل الطاعة بيعة ومبايعة. وحقيقة معناه اعطاء المبايع يده للسلطان مثلا ليعمل به ما يشاء " (1).
فإن قلت: ولكن نحن نعلم أن الرسالة والولاية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك الإمامة لأمير المؤمنين والأئمة من ولده (عليه السلام) عندنا لم تحصلا بتفويض الأمة وبيعتهم بل بجعل الله - تعالى - ونصبه، بايعت الأمة أم لا. فأهل المدينة في بيعة العقبة الأولى أو الثانية مثلا بايعوه بعد قبول نبوته وزعامته، فكانت البيعة تأكيدا للاعتراف القلبي وميثاقا بينهما على تنفيذ ما التزموا به.
قلت: نعم، رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رسولا لله ووليا من قبل الله - تعالى - بلا إشكال وإن لم تبايعه الأمة ولم تسلم له، وكذلك الإمامة لأمير المؤمنين والأئمة من ولده (عليهم السلام) عندنا. ولكن لما ارتكز في أذهان الناس ثبوت الرياسة والزعامة بتفويض الأمة وبيعتهم وكانت البيعة أوثق الوسائل لانشائها وتنجيزها في عرفهم، طالبهم النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك لتحكيم ولايته خارجا. وبالجملة، إذا كان لتحقق أمر طريقان وكان أحدهما أعهد عند الناس وأوثق وأنفذ فإيجاده بالطريقين يوجب تأكده قهرا، كما هو مقتضى اجتماع العلل على معلول واحد.
وعلى هذا فإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وان تحققت عندنا بنصب الله أو نصب الرسول، ولكن لما كان انشاؤها وجعلها من قبل الأمة بالبيعة مما يوجب تأكدها وأوقعيتها في النفوس واستسلام الناس لها، أخذ له رسول الله (صلى الله عليه وآله) البيعة بعد نصبه.
وما يقال من أن تمسك أمير المؤمنين (عليه السلام) لإثبات خلافته في مكاتباته ومناشداته ببيعته المهاجرين والأنصار وقع منه جدلا، فلا يراد منه أنه (عليه السلام) لم يكن يرى للبيعة