وأما النقض بوجود الهيولى من جهة أنها ليس وجودها لشيء آخر بل لنفسها فيلزم أن يكون عالمة بذاتها بناء على كون العلم عبارة عن نحو الوجود لشيء فدفعه بأن الهيولى ليست موجودة بالفعل بل هي جهة القوة دائما في الموجودات المادية.
فوزان ذلك في العالمية أن يكون للهيولي قوة العالمية فيما يتعلق بها من الأمور كالنفوس التي هي أولا عاقلة ومعقولة بالقوة ثم يصير عقلا وعاقلة بالفعل.
واعلم أنهم لم يكتفوا في كون المجرد عاقلا ومعقولا في ذاته بهذا القدر حتى يلزم عليهم انعكاس الموجبة الكلية موجبة كلية أو الاستنتاج من موجبتين كليتين في الشكل الثاني كما يظن أنهم استنتجوا من قولهم: إن الذات القائمة الغير الجسمية مجردة عن المادة والمعقول من الصورة بالفعل ذات مجردة عن المادة أن الذات القائمة الغير الجسمية معقولة بالفعل.
والحال أن الموجبتين في الثاني لا تنتجان.
بل قالوا إن ما هو مجرد عن المادة إما أن يصح أن يعقل أو لا يصح.
ومحال أن لا يصح أن يعقل إذ كل موجود يمكن أن يعقل.
فإذن صحة معقوليته إما بأن لا يتغير فيه شيء حتى يصير معقولا بالفعل أو بأن يتغير فيه شيء حتى يصير معقولا كالحال في المعقولات بالقوة التي يحتاج إلى مجرد يجردها عن المادة حتى تصير معقولة.
لكن هذا الحكم لا يصح في المجرد بالفعل فإن المجرد بالفعل حيث ما غشيته عوارض مادية لا يحتاج إلى أن يتغير فيه شيء حتى يصير معقولا بالفعل ولا يحتاج العاقل له إلى تقشيره عنها حتى يصير معقولا ويخلص إلى حاق كنهه.
فهو إذن معقول بالفعل فهو عاقل لذاته فإن لم يكن عاقلا بالفعل لكان معقولا بالقوة وقد فرضناه معقولا بالفعل.
فإن قلت: كون الشيء عالما ينكشف له المعلومات حال خارجي مغاير لنفس حقيقته فلا يكون نفس حقيقته العالم وحدها مصداقا لصدق العالم في علم الشيء بنفسه.
فإن كل شيء في نفسه هو هو لا غيره فلو تغير عما هو عليه في نفسه لاحتاج إلى مصداق آخر وراء ذاته فلا بد من كون الشيء عالما بنفسه مثلا من أمر آخر غير نفس ذاته يكون مصداقا لعالميته.
فلا يكون العلم بالشيء نفس حصول ذلك الشيء فقط.
أقول: كون عالمية الشيء في علم المجرد بذاته وصفا خارجا عن نفس ذاته غير