النفس هو بعينه تصورها له بلا صورة مستأنفة أخرى كما أدى إليه ذوق أهل الإشراق.
وأيضا من أدرك صورة ذهنية إنما يدركها بعين تلك الصورة لا بصورة أخرى وإلا لذهب الأمر إلى لا نهاية ولزم مع ذلك أن يجمع في محل واحد صور متساوية في الماهية مختلفة بالعدد وهو محال.
فالإدراك مطلقا إنما يحتاج إلى صورة.
وأما الاحتياج إلى صورة ذهنية فقد يكون حيث يكون المدرك غير حاضر عند المدرك. وعدم الحضور إما لعدم وجود المدرك أصلا أو لعدم وجوده عند المدرك.
فإن كل واحد من الموجودات ليست حاصلة لواحد آخر منها وإلا لكان كل من له صلاحية المعلومية وليس كذلك كما لا يخفى.
بل لا بد مع ذلك في تحقق العالمية والمعلومية بين شيئين من علاقة ذاتية بينهما بحسب الوجود.
فيكون كل شيئين يتحقق بينهما علاقة ذاتية وارتباط وجودي يكون أحدهما عالما بالآخر إلا لمانع لأن تلك العلاقة مستلزم لحصول أحدهما للآخر وانكشافه لديه وامتياز عنده.
وهي قد يقع بين نفس ذات المعلوم بحسب وجودها العيني وذات العالم كما في العلم الحضوري بأقسامه.
وقد يكون بين صورة الشيء وذات العالم كما في العلم الحصولي المتحقق بحصول صورة الشيء في نفس ذات العالم أو في بعض قواه حصولا ذهنيا.
والمدرك بالحقيقة هاهنا هو نفس الصورة الحاضرة لا ما خرج عن التصور وإن قيل للخارج إنه معلوم فذلك بقصد ثان كما سبقت الإشارة إليه إذ العلاقة الوجودية المستلزمة للعلم في الحقيقة إنما هي بين العالم والصورة لا غير بخلاف المعلوم بالعلم الحضوري بحسب وجوده العيني.
إذ المعلوم بالذات حينئذ هو نفس ذات الأمر العيني لتحقق العلاقة الوجودية بينه وبين العالم به.
فالعلم الحضوري هو أتم صنفي العلم بل العلم في الحقيقة ليس إلا هو.
ومن ذهب إلى أن العلم بالغير منحصر في الارتسام لا غير فقد أخطأ وأنكر أتم قسمي العلم.
نعم الإدراك على وجه يكون المدرك كليا مشتركا بين كثيرين ينحصر