إنما هو عناد وتكذيب للرسل الأفاضل العالمين بأسرار العالمين كما هو عادة الجهلة المتفلسفة.
ومنها ما تشبث به أكثر المنتسبين إلى الطبيعيين المتشبهين بالفلاسفة الدهريين أن حدوث الإنسان وغيره من المركبات العنصرية لا يكون إلا من الأسباب الأرضية الاختيارية أو الطبيعية كالأب والأم. والنطفة لوجود الإنسان وكالحرث والزرع والبذر والغرس لوجود الأشجار والبساتين.
ثم لا يمكن حدوث هذه الأشياء إلا بحركات كثيرة فلكية وغيرها وتغيرات وانقلابات زمانية ومكانية يحتاج إلى مضي أزمنة طويلة وذلك لأن هذا مبلغهم من العلم حيث لم ترتق نظرهم من الأسباب الطبيعية إلى أسباب القصوى الإلهية ولم يعرجوا في ملاحظة الأفاعيل من القوى الطبيعية والاختيارية الحيوانية التي ليست إلا الإعداد والتحريك والتهيئة إلى ملاحظة فعل الله تعالى الذي هو مجرد الإفاضة.
فلما احتجبت أنظارهم بالأفاعيل التحريكية التغيرية عن الفعل الحقيقي الذي هو نفس إفاضة الوجود لا جرم أنكروا طريق الوجود والإيجاد إلا على نهج التحريك والإعداد والاستعداد.
فالحق تعالى أزال هذا الاستبعاد عن ضمائرهم بأن الله هو القادر على كل شيء وأنه هو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وأن الوجود في كل شيء هو فعله تعالى وما توهمتموه أنه فعلكم فليس لكم فيه إلا الحركات والإرادات دون الصنع والإيجاد فكما أنه هو القادر في الابتداء فكذلك هو الذي يعيد الخلق إذا يشاء كما ذكر آيات كثيرة في هذا الباب منها قوله: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب... الآية.
وفي قوله: ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون حيث ذكر بلفظ الإنشاء إشعارا بأن فعلكم الغرس وأمثاله من الحركات دون الإنشاء أي الإيجاد وكذا في قوله:
أفرأيتم ما تمنون ءأنتم