تخلقونه أم نحن الخالقون لم يقل أنتم تنزلون لأن الإنزال فعلهم دون الخلق وهكذا في كثير من الآيات.
ومنها أن الحشر والبعث إما للبعض أو للجميع والأول ترجيح من غير مرجح لأن استحقاق الثواب والعقاب مشترك في كل الناس فلا وجه لبعثه البعض دون البعض والثاني يوجب التزاحم والتضايق المكاني والزماني لجمع الناس وحسابهم وكتابهم كما قال الله تعالى حكاية عنهم: ءإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون فأزال الله تعالى هذا الاستبعاد والاستنكار بقوله تعليما لنبيه ص: قل إن الأولين و الآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم فنبه عباده بأن ميقات البعث والحشر يوم معلوم له تعالى لا يصلح إليه لأن يصل أفهام المحجوبون في حياة هذه النشأة المقيدين بأزمنة هذه الدنيا وأمكنتها لأن ذلك اليوم ليس من جنس أيام الدنيا والمحشر الذي يبعث فيه الخلائق ليس من أمكنة هذا الأرض والسماء وليس يصلح الإدراك الأمور الآخرة هذه المشاعر والحواس.
وإنما ينكشف لمن يكشف في هذه الدنيا من الأنبياء والأولياء بواسطة غلبة سلطان الآخرة على قلوبهم لرفضهم استعمال هذه المشاعر والحواس في مشتهياتها ولذاتها بموتهم الإرادي عن زخارف هذه الحياة الدنيا لنيل مآرب الحياة الأخروي كما قال رسول الثقلين عليه وآله الصلوات: موتوا قبل أن تموتوا. أي عطلوا هذه الحواس عن الإحساس لينفتح منكم مشاعر إدراك الأمور الآخرة قبل موتكم الطبيعي.
وقال بعض الحكماء مشيرا إلى هذا المعنى: الناس يقولون افتح عينك لترى وأنا أقول غمض عينك لترى وقال بعضهم أيضا رامزا إلى هذا: من أراد أن يتنور بيت قلبه فليسدد الروازن الخمس.