حسه بالانطباع فلا لذة له ولو بقي المنطبع وعدم في الخارج لدامت اللذة.
وللقوة المتخيلة قدرة على اختراع الصور في هذا العالم إلا أن الصورة المخترعة متخيلة وليست محسوسة ولا منطبعة في القوة الباصرة فلذلك لو اخترع صورة جميلة في غاية الجمال وتوهم حضورها ومشاهدتها لم يعظم سروره لأنه ليس يصير مبصرا كما في المنام فلو كانت للخيال قوة على تصويرها في القوة الباصرة كمالها قوة تصويرها في المتخيلة لعظمت لذته وتنزل منزلة الصورة الموجودة من الخارج ولم يفارق الدنيا والآخرة في هذا المعنى إلا من حيث كمال القدرة على تصويرها الصور في القوة الباصرة ولا يخطر بباله شيء يميل إليه إلا ويوجد له في الخيال بحيث يراه وإليه الإشارة بقوله ع: إن في الجنة سوقا يباع فيه الصورة. والسوق عبارة عن اللطف الإلهي الذي هو منبع القدرة على اختراع الصور بحسب الشهوة وهذه القدرة أوسع وأكمل من القدرة على الإيجاد من خارج الحس.
فحمل أمور الآخرة على ما هو أتم وأوفق للشهوات أولى ولا تنقص رتبتها في الوجود اختصاص وجودها في الحس وانتفاء وجودها من خارج فإن وجودها مراد لأجل حظه وحظه من وجوده في حسه فإذا وجد فيه فقد توفر حظه والباقي فضل لا حاجة إليه وإنما يراد لأنه طريق المقصود وقد تعين كونه طريقا في هذا العالم الضيق القاصر أما في ذلك العالم فيتسع الطريق ولا يتضيق.
وأما الوجود الثالث العقلي فهو أن يكون هذه المحسوسات أمثلة للذات العقلية التي ليست بمحسوسة فإن العقليات تنقسم إلى أنواع كثيرة مختلفة كالحسيات فيكون هي أمثلة لها كل واحد مثالا للذة أخرى مما رتبته في العقليات يوازي رتبة المثال في الحسيات.
المقام الثالث في الاعتقاد بما ورد في الشريعة من نحو وجود الصور الأخروية وهو أنها عقلية محضة وتوجيهه بوجهين:
أحدهما أن يكون تلك الصور المحسوسة إشارة إلى صور روحانية عقلية واقعة في العالم العقول الصرفة حسبما ذهب إليه أفلاطون من أن لكل نوع من الأنواع المحسوسة