مثالآ عقلي في عالم العقول والمراد من المذكورة في الكلام الغزالي في بيان الوجود الثالث للذات الموعودة في الجنة وفصله بقوله: فإنه لو رأى أحد في المنام الخضرة والماء الجاري والوجه الحسن والأنهار والأمطار الممطرة باللبن والعسل والخمر والأشجار المزينة بالجواهر واليواقيت واللآلي والقصور المبنية من الذهب والفضة والأسورة المرصعة بالجواهر والغلمان المتماثلين بين يديه للخدمة لكان المعبر يعبر ذلك بالسرور ولا يحمله على نوع واحد بل كل واحد يحمله على نوع آخر من السرور ويرجع بعضه إلى سرور العلم وكشف المعلومات وبعضه إلى سرور المملكة وبعضه إلى مشاهدة الأصدقاء وإن اشتمل الجميع اسم اللذة والسرور فهي مختلفة المراتب مختلفة الذوق لكل واحد مذاق يفارق الآخر. فكذلك اللذات العقلية ينبغي أن يفهم كذلك وإن كانت مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا يخطر على قلب بشر ولا يخفى أن إدراك اللذات الأخروية على هذا الوجه العقلي مختص بأهل المعرفة والكاملين في العلوم دون أكثر أهل الجنة من العقول السازجة والنفوس الساكنة.
ولذلك ذكر صاحب الإحياء بعد ذكر الوجوه الثلاثة المذكورة في وجود ما يوعد في الآخرة كلاما بهذه العبارة:
وجميع هذه الأقسام ممكنة فيجوز أن يجمع بين الكل ويجوز أن يصيب كل واحد بقدر استعداده.
فالمشعوف بالتقليد والمجمود على الصورة لم ينفتح له طريق الحقائق ولا يتمثل له الصور العقلية.
والعارفون المستصغرون لعالم الصور واللذات المحسوسة يفتح لهم لطائف السرور واللذات العقلية ما يليق بهم ويشفي شرههم وشهوتهم إذ حد الجنة أن فيها لكل امرئ ما يشتهيه فإذا اختلفت الشهوات لم يبعد أن يختلف العطيات واللذات.
والقدرة واسعة والقوة البشرية عن الإحاطة بعجائب القدرة قاصرة والرحمة الإلهية ألقت بواسطة النبوة إلى كافة الخلق القدر الذي احتملت أفهامهم فيجب التصديق بما فهموه والإقرار بما وراء منتهى العلم من أمور يليق بالكرام الإلهيين.
انتهى قوله.