ومما يدل على أن ما ذكرنا هو ما ذهب إليه الشيخ قوله في أواخر إلهيات الشفاء عليها تأثيرا وصفاء كما يشاهد في المنام فربما كان المحلوم به أعظم شأنا في بابه من المحسوس على أن الأخرى أشد استقرارا من الموجود في المنام بحسب العوائق وتجرد النفس وصفاء القابل. وليست الصور التي ترى في المنام بل والتي تحس في اليقظة كما علمت إلا المرتسمة في النفس إلا أن أحدهما يبتدئ من باطن وينحدر إليه والثانية يبتدئ من خارج ويرتفع إليه. فإذا ارتسم في النفس تم هناك الإدراك المشاهد وإنما يلذ ويؤذي بالحقيقة هذا المرتسم في النفس لا الموجود في الخارج. وكلما ارتسم في النفس فعل فعله وإن لم يكن له سبب من خارج فإن السبب الذاتي هذا المرتسم والخارج هو سبب بالعرض أو سبب السبب.
فهذه هي السعادة والشقاوة الحسيتان بالقياس إلى الأنفس الخسيسة وأما الأنفس المقدسة فإنها تبعد عن مثل هذه الأحوال ويتصل بكمالها بالذات وتنغمس في اللذة الحقيقية وتبرأ عن النظر إلى ما خلفها وإلى المملكة التي كانت لها كل التبرؤ ولو كان بقي فيها أثر من ذلك اعتقادي أو خلقي تأذت به وتخلف لأجله عن درجة عليين إلى أن ينفسخ. انتهت عبارته.
وأما ما يدل على أن هذا مختار الشيخ الغزالي قوله في بعض مسفوراته: إن اللذات المحسوسة الموعودة في الجنة من أكل ونكاح يجب التصديق بها لإمكانها واللذات كما تقدم حسية وخيالية وعقلية.
أما الحسي فلا يخفى معناه وإمكانه في ذلك العالم كإمكانه في هذا العالم فإنه بعد رد الروح إلى البدن وقام البرهان على إمكانه.
وأما الخيالي فلذة كما في النوم إلا أن النوم مستحقر لأجل انقطاعه فلو كانت دائمة لم يظهر الفرق بين الخيالي والحسي لأن التذاذ الإنسان بالصورة من حيث انطباعها في الخيال والحس لا من حيث وجودها في الخارج فلو وجد في الخارج ولم يوجد في