وداية النفوس والقبر هو المهد الذي يتربى فيه الأطفال ما دامت ناقصة الحياة غير قادرة على تمام الحس والحركة الأخروية فيستعد فيه للحياة التامة والنهوض للأفعال الاختيارية كذلك النفوس ما دامت هي مقبورة غير تامة.
فالنفس بحسب الغريزة تشفق على البدن ما لم تستتم له الخلقة ولم يستكمل الصورة فإذا تمت الخلقة وكملت الصورة تهاونت به بحسب الفطرة التي فطرت عليها ولا يبالي انشقت البيضة أو انخرقت المشيمة إذا سلم الفرخ أو الطفل.
فهكذا حال النفوس مع الأجساد إنما تشفق على الجسد وتصونه ما لم يتفطن تفطنا غريزيا بأن لها وجودا خلوا من الجسد وذلك الوجود خير وأبقى وألذ وأقوى من هذا الوجود والبقاء الذي لها مع هذا الجسد فإذا استتمت النفس وكملت صورتها الفعلية وانتبهت من هذا النوم واستيقظت من هذا الغفلة الجسمية وأحست بغربتها في هذا العالم الدنياوي وأنها أسيرة في يد الطبيعة غريقة في بحر الهيولى تائهة في قعر الأجسام مبتلاة بخدمة الأبدان مغرورة بزينة المحسوسات الشهوية التي هي لهو ولعب والغضبية التي هي تفاخر وتكاثر في الأموال وبانت لها حقيقة ذاتها وعرفت فضيلة جوهرها معرفة إجمالية وإن كانت في غاية الخفاء ونظرت إلى عالمها وشاهدت الروحانية عند إدراكها العقليات وأقلها الأوليات هانت عليها مفارقة الجسد ومزايلة البدن.
ومن تأمل في حال بدن الإنسان ومراتب انقلاباته واستحالاته من جهة أنه كلما قوي نفسه ضعف بدنه وأنه كلما تدرجت نفسه في الاستكمال من لدن بلوغه إلى شيخوخته تدرج بدنه في الانتقاص والاضمحلال لعلم يقينا أن النفوس متوجهة بحسب الغريزة إلى عالم آخر إليه رجوعها ومنتهاها وإن غفل عن هذا التوجه العقلي والسلوك الأخروي أكثر الناس إلا أنه مركوز في طبيعة الجميع مفطور عليه فطرة