روحت كل من أشب بها * نقلة عن مراتب البشر غيرة إن يشاب رائقها * بالذي في الحياض من كدر أريد أن المحب إذا تعشق من صفته هذه حكم عليه هذا المعشوق فنقله إليه وكساه من ملابسه فأخرجه عن الذي يقتضيه عالم الطبيعة من كدر الشبه إذا كان المعشوق علما والشبهات والحرام إذا كان المعشوق عملا والشهوات الطبيعية إذا كان المعشوق روحا مجردا عن المواد وعن البشرية إذا كان المعشوق ملكا وعما سوى الله إذا كان المحبوب هو الله فالمحب الصادق من انتقل إلى صفة المحبوب لا من أنزل المحبوب إلى صفته ألا ترى الحق سبحانه لما أحبنا نزل إلينا في ألطافه الخفية بما يناسبنا مما يتعالى جده وكبرياؤه عن ذلك فنزل إلى التبشبش بنا إذا جئنا إلى بيته نقصد مناجاته وإلى الفرح بتوبتنا ورجوعنا إليه من إعراضنا عنه والتعجب من عدم صبوة الشاب من الشاب الذي هو في محل حكم سلطانها وإن كان ذلك بتوفيقه وإلى نيابته عنا في جوعنا وعطشنا ومرضنا وإنزاله نفسه إلينا منزلتنا لما جاع بعض عبيده قال للآخرين جعت فلم تطعمني ولما عطش آخر من عباده قال سبحانه لعبد آخر ظمئت فلم تسقني ولما مرض آخر من عباده قال لآخر من عباده مرضت فلم تعدني فإذا سأله هؤلاء العبيد عن هذا كله يقول لهم أما إن فلانا مرض فلو عدته لوجدتني عنده أما إنه جاع فلان فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي أما إنه عطش فلان فلو سقيته لوجدت ذلك عندي والخبر صحيح فهذا من ثمرة المحبة حيث نزل إلينا فلهذا قلنا إن الصدق في المحبة يجعل المحب يتصف بصفة المحبوب وكذا العبد الصادق في محبته ربه يتخلق بأسمائه فيتخلق بالغنى عن غير الله وبالعز بالله تعالى وبالعطاء بيد الله تعالى وبالحفظ بعين الله تعالى وقد علم العلماء التخلق بأسماء الله ودونوا في ذلك الدواوين وسبب ذلك لما أحبوه اتصفوا بصفاته على حد ما يليق بهم ثم نرجع إلى ما كنا بسبيله فنقول والله يقول الحق وهو يهدي السبيل إن العلوم وأعني بها المعلومات إذا ظهرت بذواتها للعلم وأدركها العلم على ما هي عليه في ذواتها فذلك العلم الصحيح والإدراك التام الذي لا شبهة فيه البتة وسواء كان ذلك المعلوم وجودا أو عدما أو نفيا أو إثباتا أو كثيفا أو لطيفا أو ربا أو مربوبا أو حرفا أو معنى أو جسما أو روحا أو مركبا أو مفردا أو ما أنتجه التركيب أو نسبة أو صفة أو موصوفا فمتى ما خرج شئ مما ذكرناه عن إن يبرز للعلم بذاته وبرز له في غير صورته فبرز العدم له في صورة الوجود وبالعكس والنفي في صورة الإثبات وبالعكس واللطيف في صورة الكثيف وبالعكس والرب بصفة المربوب والمربوب بصفة الرب والمعاني في صور الأجسام كالعلم في صورة اللبن والثبات في الدين في صورة القيد والايمان في صورة العروة والإسلام في صورة العمد والأعمال في صور الأشخاص من الجمال والقبح فذلك هو الكدر الذي يلحق العلم فيحتاج من ظهر له هذا إلى قوة إلهية تعديه من هذه الصورة إلى المعنى الذي ظهر في هذه الصورة فيتعب وسبب ذلك حضرة الخيال والتمثل والقوة المفكرة وأصل ذلك هذا الجسم الطبيعي وهو المعبر عنه بالحوض في هذا المنزل وقعر هذا الحوض هو خزانة الخيال وكدر ماء هذا الحوض المستقر في قعره هو ما يخرجه الخيال والتخيل عن صورته فيطرأ التلبيس على الناظر بما ظهر له فما يدري أي معنى لبس هذه الصورة فيتحير ولا يتخلص له ذلك أبدا من نظره إلا بحكم الموافقة وهو على غير يقين محقق فيما أصاب من ذلك إلا بأخبار من الله ولهذا لما قام أبو بكر الصديق في هذا المقام وسأل تعبير الرؤيا وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتعبيرها فلما فرع سأل النبي صلى الله عليه وسلم فيما عبره هل أصاب أو أخطأ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت بعضا وأخطأت بعضا فما علم الصديق إصابته للحق في ذلك من خطئه فلهذا قلنا إن المصيب في مثل هذا ليس على يقين فيما أصابه فلهذا جنح العارفون وامتنعوا أن يأخذوا العلم إلا من الله بطريق الوهب الذي طريقه في الأولياء الذكر لا الفكر فإن أعطوا المعاني مجردة وبرزت لهم المعلومات بذواتها في صورها التي هي حقائقها فهو المقصود وإن أبرزها الحق لهم عند الذكر وهذا الطلب في غير صورها وحجب عنهم ذواتها أعطوا من القوة والنور النفوذ في تلك الصور إلى ما وراءها وهو الذي أريدت له هذه الصور وقيد بها فمشهوده على كل حال المعاني التي هي المقصود وهي في عالم الألفاظ والعبارات بمنزلة المنصوص والمحكم الذي لا إشكال فيه ولا تأويل والآخر بمنزلة الظواهر التي تحمل المعاني المتعددة
(٥٩٦)