موجودة وبها كان ربا له ولم يكن بين المربوب وذات الرب نسبة فلهذا لم يكن عن الذات شئ كما تقول أصحاب العلل والمعلولات فلا تتوجه الذات على إيجاد الأشياء من كونها ذاتا وإنما تتوجه على الأشياء من نسبة القدرة إليها وعدم المانع وذلك مسمى الألوهة كذلك الطبائع رتبها الله ترتيبا عجيبا لأجل الاستحالات فجعل عنصر النار يليه الهواء وعنصر الهواء يليه الماء وعنصر الماء يليه التراب فبين الماء والنار منافرة طبيعية من جميع الوجوه وبين الهواء والتراب منافرة من جميع الوجوه طبيعية فجعل بينهما الوسائط لكونها ذات وجهين لكل واحد مما يلي الطرفين مناسبة خاصة فإذا أراد الحق أن يحيل الماء نارا وهو منافر طبعا أحاله أولا هواء ثم أحال ذلك الهواء نارا فما أحال الماء نارا حتى نقله إلى الهواء من أجل التناسب وكذلك جميع الاستحالات كلها في عالم الطبيعة وأما في الإلهيات فقد أشرنا إليه في هذه المسألة وفي هذا الكتاب في وصف ذات المخلوق بصفة ذات الخالق ووصف ذات الخالق بصفة ذات المخلوق ثم تجرد ذات الخالق عما تقتضيه ذات المخلوق وتجرد ذات المخلوق عما تقتضيه ذات الخالق فلو لا النسبة الموجودة بين الرب والمربوب ما دل عليه ولا قبل الاتصاف بصفته لا هذا ولا هذا وبتلك النسبة كان الحق مكلفا عباده وآمرا وناهيا وبها بعينها كان الخلق مكلفا مأمورا منهيا فحقق ما نبهناك عليه إن كنت ذا قلب وألقيت السمع وأنت شهيد لما ذكرناه فإن لم تكن كذلك فاتك خير كثير وعلم نافع جليل القدر لكنه عظيم الخطر إلا أن يعصم الله ومكر إلهي خفي في هذا المنزل صدر عن الاسم القاهر والقادر موجود من عالم الغيب في عالم الحس بيده حسام القهر صلتا يطلب به موجودا تعلق باسم رحماني مثل طلب موسى فرعون وطلب نمروذ وفراعنة الأنبياء للأنبياء عليهم السلام كل ذلك صفات تقوم للعارف في ظاهره وباطنه يكاشفها من نفسه فإذا صال رجال الاسم القاهر التجأ العارف إلى الاسم الباطن فشفع له عند القاهر فتبادر جماعة من الأسماء الإلهية من أجل الاسم الباطن تعظيما له لقربه من الهو وقاموا معه بالاسم القائم على الاسم الظاهر لبعد منزلته من الهو فأقام لهم الاسم من عالم الغيب جماعة في عالم البرزخ فإنه أشد قوة في التأثير من عالم الحس فإنه يؤثر في عالم الحس ما يؤثره الحس والحس لا يقدر يؤثر في الخيال ألا ترى النائم يرى في الخيال إنه ينكح فينزل منه الماء في عالم الحس ويرى ما يفزعه فيتأثر لذلك جسم النائم بحركة أو صوت يصدر منه أو كلام مفهوم أو عرق لقوة سلطانه عليه ويظهر الخيال في صورة الحس ما ليس في نفسه بمحسوس ويلحقه بالحس وليس في قوة الحس أن يرد المحسوس بعينه متخيلا فيحصل لهذا العارف علوم من عين تلك الجماعة البرزخية يطلع بها على معرفة تلك الشبهة القادحة في سعادته لو ثبتت ومات عليها ولا بد في هذا المنزل من هذه الشبهة وهذه الأدلة (فصل) واعلم أنه ما من منزل من المنازل ولا منازلة من المنازلات ولا مقام من المقامات ولا حال من الحالات إلا وبينهما برزخ يوقف العبد فيه يسمى الموقف وهو الذي تكلم منه صاحب المواقف محمد بن عبد الجبار النفري رحمه الله في كتابه المسمى بالمواقف الذي يقول فيه أوقفني الحق في موقف كذا فذلك الاسم الذي يضيفه إليه هو المنزل الذي ينتقل إليه أو المقام أو الحال أو المنازلة إلا قوله أوقفني في موقف وراء المواقف فذلك الموقف مسمى بغير اسم ما ينتقل إليه وهو الموقف الذي لا يكون بعده ما يناسب الأول وهو عند ما يريد الحق أن ينقله من المقام إلى الحال ومن الحال إلى المقام ومن المقام إلى المنزل ومن المنزل إلى المنازلات أو من المنازلات إلى المقام وفائدة هذه المواقف أن العبد إذا أراد الحق أن ينقله من شئ إلى شئ يوقفه ما بين ما ينتقل عنه وبين ما ينتقل إليه فيعطيه آداب ما ينتقل إليه ويعلمه كيف يتأدب بما يستحقه ذلك الأمر الذي يستقبله فإن للحق آدابا لكل منزل ومقام وحال ومنازلة إن لم يلزم الآداب الإلهية العبد فيها وإلا طرد وهو أن يجري فيها على ما يريده الحق من الظهور بتجليه في ذلك الأمر أو الحضرة من الإنكار أو التعريف فيعامل الحق بآداب ما تستحقه وقد ورد الخبر الصحيح في ذلك في تجليه سبحانه في موطن التلبيس وهو تجليه في غير صور الاعتقادات في حضرة الاعتقادات فلا يبقى أحد يقبله ولا يقربه بل يقولون إذا قال لهم أنا ربكم نعوذ بالله منك فالعارف في ذلك المقام يعرفه غير أنه قد علم منه بما أعلمه أنه لا يريد أن يعرفه في تلك الحضرة من كان هنا مقيد المعرفة بصورة خاصة يعبده فيها فمن أدب العارف أن يوافقهم في الإنكار ولكن لا يتلفظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه فإنه يعرفه فإذا قال لهم
(٦٠٩)