المشروعة من كونها مشروعة لا من كونها موجودة فليس لهم فيها نصيب فإنهم قد يكون منهم من فيه مكارم الأخلاق ولكن لم يعمل بها من كونها مشروعة فإذا تقرر ما ذكرناه فاعلم أن الطائفة التي لم يحصل لها الايمان بعلم الجزاء يحرمون من العلوم الموهوبة قبول كل علم لا يقوم لهم فيه من نفوسهم ميزان من عمل عملوه فإذا جاءهم الفتح في خلواتهم وسطعت عليهم الأنوار الإلهية بالعلوم المقدسة عن الشوب القادح ينظرون ما كانوا عليه من الأعمال وما كانوا عليه من الاستعداد التعملي فيأخذون من تلك العلوم قدر ما أعطتهم موازينهم ويقولون هذا من عند الله وما لم يدخل لهم في موازينهم من هذه العلوم دفعوا بها وهذا من أعجب الأمور الإلهية في حق هذه الطائفة أنها غير قائلة بعلم الجزاء ولا تأخذ من العلوم إلا ما أعطتها موازينهم من الأعمال والاستعدادات التعملية وهذا نقيض ما بنى عليه الأمر عند أهل الطريق وهذا كشف خاص خص به أمثالنا لله الحمد على ذلك وأما نحن ومن جرى مجرانا من أهل الطريق فلا نرمي بشئ مما يرد علينا من ذلك ولا ندفع به جملة واحدة سواء اقتضاه عملنا واستعدادنا التعملي أو لم يقتضه فإن الاقتضاء غير لازم عندنا في كل شئ بل أوجد الله ما يريد في أي محل يريد ولو نور الله بصائر هذه الطائفة التي ذكرناها لرأت واتعظت بحالها فإنها لا تصدق بالجزاء ولا تقبل من العلوم إلا ما أعطاه ميزان الجزاء من نفوسهم وهم لا يشعرون وهو موضع حيرة كما إنا لا نرمي أيضا بشئ مما أعطانا الله على يد واسطة مذمومة كانت تلك الواسطة أو محمودة كما فعل سليمان عليه السلام أو بارتفاع الوسائط سواء كان ذلك منهيا عنه أو مأمورا به فإن الله قد أعطانا من القوة وعلم السياسة بحيث نعلم كيف نأخذ وإذا أخذنا كيف نتصرف به وفيه وفي أي محل نتصرف به وهذا مخصوص بأهل السماع من الحق دائما وهو طريقنا وعليه عمل أكابرنا ويحتاج إلى علم وافر وعقل حاضر ومشاهدة دائمة وعين لا تقبل النوم ولا تعرفه وتتحقق بذلك تحقيقا يسرى معها حسا وفي حال نومها خيالا وفي حال فنائها وغيبتها تحققا وهو مقام عزيز مخصوص بالإفراد منا وعلم الأنبياء أكثره من هذه العلوم التي ليس لها مستند ولهذا كانت النبوة اختصاصا من الله لا يعمل ولا بتعمل ونحن ورثنا هذا المقام من عين المنة فحصلنا من العلوم التي لا مستند لها يطلبها ما عدا النبوة كثيرا تعرفها أسرارنا دون نفوسنا فلذلك لا يظهر علينا منها شئ فإنه لا تعلق لها بالكون قال تعالى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فاختلف أصحابنا في هذه الأحوال الثلاثة وما يشبهها هل هي استعدادات لما حصل من الإيواء والهدى والغني أم ليست استعدادا ومنا من قال لا يكون استعداد إلا عن تعمل فيه وهم الأكثرون ومنهم من قال الاستعداد من أهل لتحصيل أمر ما سواء كان عن تعمل أو غير تعمل فالخلاف لفظي وهو الخلاف الذي ينسب إلى أهل هذه الطريقة وقد يكون الاستعداد معلوما للشخص الذي هو صاحبه إنه استعداد وقد لا يكون والتحقيق في ذلك ما نذكره وذلك أن حقيقة الاستعداد ما هو الطلب أن يكون معد الأمر ما عظيم من الله يحصل له فهذا يسمى تعملا لأنه استفعال مثل استخراج واستطلاق واسترسال وأما كونه معدا لما حصل له فلا بد أن يكون في نفسه على ذلك لا بجعل جاعل وأخفاه العدم الممكن والعدم المحال فلو لا إن العدم الممكن هو معد في نفسه لقبول أثر المرجح ما كان له الترجيح إلى أحد الجانبين في وقت وترجيح الجانب الآخر في وقت آخر والعدم المحال لولا ما هو في نفسه معد لعدم قبول ما يضاد ما هو عليه في نفسه لقبله وكذلك من ثبت له الوجوب الوجودي لذاته فهذا تحقيق المسألة في الاستعداد والفرق بينه وبين الإعداد والإعداد لا بد منه وجودي وعدمي ولا وجودي ولا عدمي كالنسب فهذا الفصل من هذا المنزل قد استوفيناه وبقي من فصوله ما نذكره وذلك معرفة العلم الذي يطلبه الفقير بافتقاره ومسكنته ما هو وإذا حصل هل يقع له به الغني أم لا وهل إلى ذلك طريقة معلومة لقوم أم لا وهل العالمون بها يتعين عليهم إن يحرضوا الناس على سلوكها أم لا فاعلم إن الافتقار في كل ما سوى الله أمر ذاتي لا يمكن الانفكاك عنه ذوقا وعلما صحيحا إلا أنه تختلف مقاصده في تعيين ما يفتقر إليه هذا الفقير وما هو المعنى الذي يفتقر إليه فيه فاعلم إن الفقر والمسكنة لما ثبت في العلم أنها صفة ذاتية كان متعلقها الذي افتقرت فيه طلبها استمرار كونها واستمرار النعيم لها على أكمل الوجوه بحيث إنه لا يتخلله النقيض فأهل هذه الطريقة لم يروا ذلك حالا وعقدا إلا من الله تعالى فافتقروا إليه في ذلك دون غيره سبحانه
(٦٠٠)