هويته بذلك الشئ فلا يصح أن يكون علة لمعلول ولا شرطا لمشروط ولا حقيقة لمحقق ولا دليلا لمدلول ولا سيما وقد قال سبحانه لم يلد مطلقا وما قيد فلو كان حقيقة لولد محققا ولو كان دليلا لولد مدلولا ولو كان علة لولد معلولا ولو كان شرطا لولد مشروطا فهو سبحانه المستند المجهول الذي لا تدركه العقول ولا تفصل إجماله الفصول فهذا أيضا وجه من وجوه تنزيه التوحيد وأما ما يتعلق بالواحد والأحد من التوحيد في أحديته فإن لفظ الأحدية جاءت ثابتة الإطلاق على من سواه فقال ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وإن كان المفهوم منه بالنظر إلى تفسير المعاني على طريق أهل الله أنه لا يعبد من حيث أحديته لأن الأحدية تنافي وجود العابد فكأنه يقول لا يعبد إلا الرب من حيث ربوبيته فإن الرب أوجدك فتعلق به وتذلل له ولا تشرك الأحدية مع الربوبية في العبادة فتتذلل لها كما تتذلل للربوبية فإن الأحدية لا تعرفك ولا تقبلك فيكون تعبد في غير معبد وتطمع في غير مطمع وتعمل في غير معمل وهي عبادة الجاهل فنفى عبادة العابدين من التعلق بالأحدية فإن الأحدية لا ثبت إلا لله مطلقا وأما ما سوى الله فلا أحدية له مطلقا فهذا هو المفهوم من هذه الآية عندنا من حيث طريقنا في تفسير القرآن ويأخذ أهل الرسوم من ذلك قسطهم أيضا تفسيرا للمعنى فيحملون الأحد المذكور على ما اتخذوه من الشركاء وهو تفسير صحيح أيضا فالقرآن هو البحر الذي لا ساحل له إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكلام من المعاني بخلاف كلام المخلوقين وإذا علمت هذا علمت المراد بقوله جل ثناؤه لنبيه عليه السلام قل هو الله أحد أي لا يشارك في هذه الصفة وأما الواحد فإنا نظرنا في القرآن هل أطلقه على غيره كما أطلق الأحدية فلم أجده وما أنا منه على يقين فإن كان لم يطلقه فهو أخص من الأحدية ويكون اسما للذات علما لا يكون صفة كالأحدية فإن الصفة محل الاشتراك ولهذا أطلقت لأحدية على كل ما سوى الله في القرآن ولا يعتبر كلام الناس واصطلاحهم وإنما ينظر ما ورد في القرآن الذي هو كلام الله فإن وجد في كلام الله لفظ الواحد كان حكمه حكم لأحدية للاشتراك اللفظي فيه وإن كان لا يوجد في كلام الله لفظ الواحد يطلق على الغير فيلحقه بخصائص ما تستحقه الذات ويكون كالاسم الله الذي لم يتسم به أحد سواه ومما يتعلق بهذا المنزل من التنزيه الخاص به ما يحصل من المعارف التي ذكرناها في كتاب مواقع النجوم في التجلي الصمداني ولا نريد بذلك ما أراد العارف أبو عبد الله البستي في كتابه الذي جعله في عبد الرب وعبد الصمد فإن الصمد الذي نريده لا يضاف ولا يضاف إليه فإن المتضايفين لا بد أن يكون لهما بينية فيكون بينهما نسبة رابطة بها يصح أن تكون الإضافة محققة لهما فالصمد الذي أراده البستي بعبد الصمد هو الذي يلجأ إليه ويتعلق به ويقابل بالتوجه ولهذا نهت الشريعة للمصلي إذا استتر بأصطوانة أو عصا أو مؤخرة رحل أو ما هو مثلها أن يصمد إليها صمدا ولكن ينحرف عنها قليلا يمينا أو شمالا وليس من أوصاف التنزيه من يصمد إليه ولكنه من أوصاف الكرم فالصمدية المطلقة عن هذا التقييد هي التي تستحق أن تكون صفة تنزيه إذ لا تعلق للكون بها وهي المطلوبة في هذا المنزل وشرحها في اللغة مذكور واعلم أن هذا المنزل وإن كان يطلب الأحدية والتنزيه من جميع الوجوه فإنه يظهر في الكشف الصوري المقيد بالظاهر كالبيت القائم على خمسة أعمدة عليها سقف مرفوع محيط به حيطان لا باب فيها مفتوح فليس لأحد فيه دخول بوجه من الوجوه لكن خارج البيت عمود قائم ملصق إلى حائط البيت يتمسح به أهل الكشف كما يقبلون ويتمسحون بالحجر الأسود الذي جعله الله خارج البيت وجعله يمينا له وأضافه إليه لا إلى البيت كذلك هذا العمود لا يضاف إلى هذا المنزل وإن كان منه إلا أنه ليس هو خاصا به فإنه موجود في كل منزل إلهي وكأنه ترجمان بيننا وبين ما تعطيه المنازل من المعارف وقد نبه على ذلك ابن مسرة الجبلي في كتاب الحروف له وهذا العمود له لسان فصيح يعبر لنا عما تحويه المنازل فنستفيد منه علم ذلك ومن المنازل ما ندخل فيه ونمشي في زواياه فنجد الأمر على حد ما عرفناه فيه ومن المنازل ما لا سبيل لنا إلى الدخول فيه مثل هذا المنزل فنأخذ من هذا العمود التعريف بحكم التسليم فإنه قد قام الدليل لنا على عصمته فيما يخاطبنا به في عالم الكشف كالرسول في عالم الحس فهو لسان حق ومن الناس من يلحقه بأعمدة البيت فإن بعض الحائط عليه ولا يظهر لنا منه إلا وجه واحد وسائره مستور في الحائط فيقول بعض المكاشفين إن البيت قائم على ستة أعمدة فلا تناقض بين مثبتي الخمسة والستة
(٥٨١)