بذلك السهر في سيرك من لذة النوم والاضطجاع والسكون فوضعوا لذلك لفظا مطابقا وهو قولهم عند الصباح يحمد القوم السري والصباح عبارة عن هذا النور ومن حصل له هذا النور كان الناس فيه بين غابط وحاسد فالغابط من طلب من الله أن يكون له مثل ما حصل لهذا من هذه الحال من غير إن يسلب ذلك عن صاحبه والحاسد من يطلب زوال هذا الأمر من صاحبه ولا يتعرض في طلبه لنيله جملة واحدة فإن طلب مع طلب إزالته من ذلك نيله فبه يقع الاشتراك بين الغابط والحاسد وما يقع به الاشتراك غير ما يقع به الامتياز فطلب نيل ذلك محمود وهو الغبط وطلب إزالته مذموم وهو الحسد فلذلك فصلنا فيه هذا التفصيل وإن كان الشرع قد أطلق لفظ الحسد في موضع الغبط فقال صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله ما لا فسلطه على هلكته في الحق فهو ينفق منه ويفرقه يمينا وشمالا وفي هذا سر وتنبيه على فضل الكرم والعطاء لغير عوض فإنه من أعطى لعوض فهو شراء ليس بكرم إذ الكريم من لا يطلب المعاوضة فلذا قال يمينا وشمالا ولو عني بالشمال الإنفاق في معصية من زنا أو غيره فليس بكرم لأنه يحصل به عوضا هو أحب إليه من المال فإن قيل إن العوض له لازم فإن الثناء بالكرم لازم لذي الكرم قلنا هذا لا يقع إلا من الجاهل لأن الثناء الحسن من لوازم الكرم سواء طلبه أو لم يطلبه فاشتغاله بطلب الحاصل جهل فإن الحاصل لا يبتغى واللازم للشئ لا بد له منه وإلا فليس بلازم فإن فعل ذلك التحق بأصحاب الأعواض ولم يتصف عند ذلك بالكرم ولا لبسه والرجل الآخر رجل آتاه الله علما فهو يبثه في الناس أي يفرقه فيهم الحديث كما قاله عليه السلام فإنا أوردناه من جهة المعنى وبعض ألفاظه صلى الله عليه وسلم فسماه حسدا وقد يسمى الشئ باسم الشئ بما يقاربه أو يكون منه بسبب وبعد أن فصلنا ما أردنا ارتفع الإشكال فيما قصدناه ونحن إنما أردنا ما أراد الله تعالى بقوله ومن شر حاسد إذا حسد وليس الشر في طلب نيل مثله وإنما الشر في طلب زواله ممن هو عنده ولما قلنا إن عبد الرب له خمس درجات وإنه يزيد على عبد الملك بأربع درجات كان هذا المنزل على خمس درجات والدرجة السادسة التي لهذا المنزل فيها خلاف بين أهل هذا الشأن فمنهم من جعلها درجة مستقلة بنفسها لكنها فاصلة بين مقامين من المقامات الإلهية وليس هو مذهبنا ومنهم من جعلها درجة سادسة في عين هذا المقام وهو مذهبنا وهذه الدرجة تتضمن منزلا واحدا من منازل الغيب بالإجماع من أهل هذا الشأن وقيل ثلاث منازل بخلاف بينهم فأما ابن برجان فانفرد دون الجماعة بإظهار المنزل الثاني في هذه الدرجة من منازل الغيب ولم أعلم ذلك لغيره وله وجه في ذلك ولكن فيه بعد عظيم وإن كنا نحن قد ذهبنا إلى هذا المذهب في بعض كتبنا ولكن ليس في وجوده تلك القوة وإنما يظهر عند صنعة التحليل والكلام على المفردات من علم هذا الطريق وهو مما يتعلق بمعرفة الهوية ولهذه الدرجة تسعة عشر منزلا من منازل الشهادة كل منزل من هذه المنازل يمنع ملكا من التسعة عشر الذين على النار فلا يصيب صاحب هذه الدرجة من النار شئ قال تعالى عليها تسعة عشر فلوجود هذه المنازل في هذه الدرجة جعلت ملائكة النار تسعة عشر ولا نعكس فنقول من أجل هؤلاء الملائكة جعلت هذه المنازل تسعة عشر فإن الأمر لم يكن كذلك ولم تكن هذه المنازل بحكم الجعل بخلاف الملائكة فإن هذه الدرجة اقتضت هذه المنازل لذاتها وقال في الملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة فكانوا بحكم الجعل وكانوا في عالم الشهادة لأن النار محسوسة مشهودة وتتضمن هذه الدرجة السادسة من العلوم علم الأسماء الإلهية المتعلقة بالكون ولها صورة في العموم من حيث الإيجاد وفي الخصوص من حيث السعادة واعلم أنه ما من منزل من هذه المنازل التي في هذا الكتاب إلا وله هذه الدرجة وتختلف آثارها باختلاف المنازل إلا منزلا واحدا من منازل القهر وسيأتي ذكره إن شاء الله وكنا قد ذكرنا في كتاب هياكل الأنوار هذا المنزل وما يختص به وما يعطيه هيكله فلينظر هناك وهو الهيكل الثاني عشر ومائة وهذه العجالة تضيق عن أسرارها في كل منزل من هذه المنازل المودعة فيه أعني في هذا الكتاب وكذلك المنازلات والفرق بين المنزل والمنازلات ما نبينه لك وذلك أن المنزل عبارة عن المقام الذي ينزل الحق فيه إليك أو تنزل أنت فيه عليه ولتعلم الفرق بين إليك وعليه والمنازلة أن يريد هو النزول إليك ويجعل في قلبك طلب النزول عليه فتتحرك الهمة حركة روحانية لطيفة للنزول عليه فيقع الاجتماع به بين نزولين نزول منك عليه قبل إن تبلغ المنزل ونزول منه إليك أي توجه اسم إلهي
(٥٧٧)