قوله في الآفاق علما بالله ما لا تعطيه نفوسنا أو كل شئ في نفوسنا فإذا نظرنا في نفوسنا حصل لنا من العلم به ما يحصل للناظر في الآفاق فأما الشارع فعلم إن النفس جامعة لحقائق العالم فجمعك عليك حرصا منه كما قال فيه حريص عليكم حتى تقرب الدلالة فتفوز معجلا بالعلم بالله فتسعد به وأما الحق فذكر الآفاق حذرا عليك مما ذكرناه أن تتخيل أنه قد بقي في الآفاق ما يعطي من العلم بالله ما لا تعطيه نفسك فأحالك على الآفاق فإذا عرفت عين الدلالة منه على الله نظرت في نفسك فوجدت ذلك بعينه الذي أعطاك النظر في الآفاق أعطاك النظر في نفسك من العلم بالله فلم تبق لك شبهة تدخل عليك لأنه ما ثم إلا الله وأنت وما خرج عنك وهو العالم ثم علمك كيف تنظر في العالم فقال ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت الآية أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وكل آية طلب منك فيها النظر في الآيات كما قال إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ويتفكرون ويسمعون ويفقهون وللعالمين وللمؤمنين ولأولي النهى ولأولي الألباب لما علم أنه سبحانه خلق الخلق أطوارا فعدد الطرق الموصلة إلى العلم به إذ كل طور لا يتعدى منزلته بما ركب الله فيه فالرسول ع ما أحالك إلا على نفسك لما علم أنه سيكون الحق قواك فتعلمه به لا بغيره فإنه العزيز والعزيز هو المنيع الحمى ومن ظفر به غيره فليس بمنيع الحمى فليس بعزيز فلهذا كان الحق قواك فإذا علمته وظفرت به يكون ما علمه ولا ظفر به إلا هو فلا يزول عنه نعت العزة وهكذا هو الأمر فقد سد باب العلم به إلا منه ولا بد ولهذا ينزهه العقل ويرفع المناسبة من جميع الوجوه ويجئ الحق فيصدقه في ذلك بليس كمثله شئ يقول لنا صدق العقل فإنه أعطى ما في قوته لا يعلم غير ذلك فإني أعطيت كل شئ خلقه والعقل من جملة الأشياء فقد أعطيناه خلقه وتمم الآية فقال ثم هدى أي بين فبين سبحانه أمرا لم يعطه العقل ولا قوة من القوي فذكر لنفسه أحكاما هو عليها لا يقبلها العقل إلا إيمانا أو بتأويل يردها تحت إحاطته لا بد من ذلك فطريقة السلامة لمن لم يكن على بصيرة من الله أن لا يتأول ويسلم ذلك إلى الله على علمه فيه هذه طريقة النجاة فالحق سبحانه يصدق كل قوة فيما تعطيه فإنها وفت بجميع ما أعطاها الله وبقي للحق من جانب الحق ذوق آخر يعلمه أهل الله وهم أهل القرآن أهل الله وخاصته فيعتقدون فيه كل معتقد إذ لا يخلو منه تعالى وجه في كل شئ هو حق ذلك الوجه ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان إلها ولكان العالم يستقل بنفسه دونه وهذا محال فخلو وجه الحق عن شئ من العالم محال وهذه المعرفة عزيزة المنال فإنها تؤدي إلى رفع الخطاء المطلق في العالم ولا يرتفع الخطاء الإضافي وهو المنسوب إلى مقابله فهو خطأ بالتقابل وليس بخطاء مع عدم التقابل فالكامل من أهل الله من نظر في كل أمر على حدة حتى يرى خلقه الذي أعطاه الله ووفاه إياه ثم يرى ما بين الله لعباده مما خرج عن خلق كل شئ فينزل موضع البيان من قوله ثم هدى موضعه وينزل كل خلق على ما أعطاه خالقه فمثل هذا لا يخطئ ولا يخطئ بإطلاق في الأصول والفروع فكل مجتهد مصيب إن عقلت في الأصول والفروع وقد قيل بذلك وبعد أن تقرر ما ذكرناه فلنقل إن المعرفة في طريقنا عندنا لما نظرنا في ذلك فوجدناها منحصرة في العلم بسبعة أشياء وهو الطريق التي سلكت عليه الخاصة من عباد الله الواحد علم الحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية الثاني العلم بتجلي الحق في الأشياء الثالث العلم بخطاب الحق عباده المكلفين بالسنة الشرائع الرابع علم الكمال والنقص في الوجود الخامس علم الإنسان نفسه من جهة حقائقه السادس علم الخيال وعالمه المتصل والمنفصل السابع علم الأدوية والعلل فمن عرف هذه السبع المسائل فقد حصل المسمى معرفة ويندرج في هذا ما قاله المحاسبي وغيره في المعرفة (العلم الأول) وهو العلم بالحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية وهي على أربعة أقسام قسم يدل على الذات وهو الاسم العلم الذي لا يفهم منه سوى ذات المسمى لا يدل على مدح ولا ذم وهذا قسم لم نجده في الأسماء الواردة علينا في كتابه ولا على لسان الشارع إلا الاسم الله وهو اسم مختلف فيه وقسم ثان وهو يدل على الصفات وهو على قسمين قسم يدل على أعيان صفات معقولة يمكن وجودها وقسم يدل على صفات إضافية لا وجود لها في الأعيان وقسم ثالث وهو يدل على صفات أفعال وهو على قسمين صريح ومضمن وقسم رابع مشترك يدل بوجه على صفة فعل مثلا وبوجه على صفة تنزيه أما علم الأسماء الإلهية وهو العلم الأول من المعرفة فهو العلم بما تدل
(٢٩٩)