والالتحام بينهما وما يتولد فيهما من المولدات بالليل والنهار والفرق بين أولاد الليل وأولاد النهار فكل واحد منهما أب لما يولد في نقيضه وأم لما يولد فيه ويعلم من هذه السماء علم الغيب والشهادة وعلم الستر والتجلي وعلم الحياة والموت واللباس والسكن والمودة والرحمة وما يظهر من الوجه الخاص من الاسم الظاهر في المظاهر الباطنة ومن الاسم الباطن في الظاهر من حكم استعداد المظاهر فتختلف على الظاهر الأسماء لاختلاف الأعيان ثم رحلا يطلبان السماء الخامسة فنزل التابع بهارون ع ونزل صاحب النظر بالأحمر فاعتذر الأحمر لصاحبه ونزيله في تخلفه عنه مدة اشتغاله بخدمة هارون ع من أجل نزيلة فلما دخل الأحمر على هارون وجد عنده نزيله وهو يباسطه فتعجب الأحمر من مباسطته فسأل عن ذلك فقال إنها سماء الهيبة والخوف والشدة والبأس وهي نعوت توجب القبض وهذا ضيف ورد من أتباع الرسول تجب كرامته وقد ورد يبتغي علما ويلتمس حكما إلهيا يستعين به على أعداء خواطره خوفا من تعدى حدود سيده فيما رسم له فاكشف له عن محياها وأباسطه حتى يكون قبوله لما التمسه على بسط نفس بروح قدس ثم رد وجهه إليه وقال له هذه سماء خلافة البشر فضعف حكم إمامها وقد كان أصلها أقوى المباني فأمر باللين بالجبابرة الطغاة فقيل لنا قولا له قولا لينا وما يؤمر بلين المقال إلا من قوته أعظم من قوة من أرسل إليه وبطشه أشد لكنه لما علم الحق أنه قد طبع على كل قلب مظهر للجبروت والكبرياء وأنه في نفسه أذل الأذلاء أمرا أن يعاملاه بالرحمة واللين لمناسبة باطنه واستنزال ظاهره من جبروته وكبريائه لعله يتذكر أو يخشى ولعل وعسى من الله واجبتان فيتذكر بما يقابله من اللين والمسكنة ما هو عليه في باطنه ليكون الظاهر والباطن على السواء فما زالت تلك الخميرة معه تعمل في باطنه مع الترجي الإلهي الواجب وقوع المترجي ويتقوى حكمها إلى حين انقطاع يأسه من اتباعه وحال الغرق بينه وبين أطماعه لجأ إلى ما كان مستسرا في باطنه من الذلة والافتقار ليتحقق عند المؤمنين وقوع الرجاء الإلهي فقال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فأظهر حالة باطنه وما كان في قلبه من العلم الصحيح بالله وجاء بقوله الذي آمنت به بنو إسرائيل لرفع الإشكال عند الإشكال كما قالت السحرة لما آمنت آمنا برب العالمين رب موسى وهرون أي الذي يدعوان إليه فجاءت بذلك لرفع الارتياب وقوله وأنا من المسلمين خطاب منه للحق لعلمه أنه تعالى يسمعه ويراه فخاطبه الحق بلسان العتب وأسمعه الآن أظهرت ما قد كنت تعلمه وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين في اتباعك وما قال له وأنت من المفسدين فهي كلمة بشرى له عرفنا بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا ثم قال فاليوم ننجيك فبشره قبل قبض روحه ببدنك لتكون لمن خلفك آية يعني لتكون النجاة لمن يأتي بعدك آية علامة إذا قال ما قلته تكون له النجاة مثل ما كانت لك وما في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع ولا أن إيمانه لم يقبل وإنما في الآية إن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزل به إذا آمن في حال رؤيته إلا قوم يونس فقوله فاليوم ننجيك ببدنك إذ العذاب لا يتعلق إلا بظاهرك وقد أريت الخلق نجاته من العذاب فكان ابتداء الغرق عذابا فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم تتخللها معصية فقبضت على أفضل عمل وهو التلفظ بالإيمان كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة الله والأعمال بالخواتم فلم يزل الايمان بالله يجول في باطنه وقد حال الطابع الإلهي الذاتي في الخلق بين الكبرياء واللطائف الإنسانية فلم يدخلها قط كبرياء وأما قوله فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا فكلام محقق في غاية الوضوح فإن النافع هو الله فما نفعهم إلا الله وقوله سنة الله التي قد خلت في عباده يعني الايمان عند رؤية البأس الغير المعتاد وقد قال ولله يسجد من في السماوات ومن في الأرض طوعا وكرها فغاية هذا الايمان أن يكون كرها وقد أضافه الحق إليه سبحانه والكراهة محلها القلب والايمان محله القلب والله لا يأخذ العبد بالأعمال الشاقة عليه من حيث ما يجده من المشقة فيها بل يضاعف له فيها الأجر وأما في هذا الموطن فالمشقة منه بعيدة بل جاء طوعا في إيمانه وما عاش بعد ذلك كما قال في راكب البحر عند ارتجاجه ضل من تدعون إلا إياه فنجاهم فلو قبضهم عند نجاتهم لماتوا موحدين وقد حصلت لهم النجاة فقبض فرعون ولم يؤخر في أجله في حال إيمانه لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى ثم قوله تعالى في تتميم قصته هذه وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون وقد أظهرت نجاتك آية أي
(٢٧٦)