المال فإن الله سبحانه قد جعل مصالح العبد في استعمال أعيان بعض الأشياء وهي من العالم فلا غنى له عن استعمالها فلا غنى له عن العالم فلذلك خصصه بالمال فلا يوصف بالغنى عن العالم إلا الله تعالى من حيث ذاته جل وتعالى والغني في الإنسان من العالم فليس الإنسان بغني عن الغني فهو فقير إليه واعلم أن الغني وإن كان بالله والعزة وإن كانت بالله فإنهما صفتان لا يصح للعبد أن يدخل بهما على الله تعالى وإن كان بالله فيهما فلا بد أن يتركهما فيدخل فقيرا ذليلا ومعنى الدخول التوجه إلى الله فلا يتوجه إلى الله بغناه به ولا بعزته به وإنما يتوجه إلى الله بذله وافتقاره فإن حضرة الحق لها الغيرة ذاتية فلا تقبل عزيزا ولا غنيا وهذا ذوق لا يقدر أحد على إنكاره من نفسه قال تعالى مؤدبا لنبيه ص في ظاهر الأمر وهو يؤدبنا به لنتعلم أما من استغنى فأنت له تصدى فكان مشهود محمد ص الصفة الإلهية وهو الغني فتصدى لها لما تعطيه حقيقتها من الشرف والنبي في ذلك الوقت في حال الفقر في الدعوة إلى الله وأن تعم دعوته وعلم إن الرؤساء والأغنياء تبع الخلق لهم أكثر من تبع من ليس له هذا النعت فإذا أسلم من هذه صفته أسلم لإسلامه خلق كثير والنبي ص له على مثل هذا حرص عظيم وقد شهد الله تعالى عندنا له بذلك فقال عزيز عليه ما عنتم أي عنادكم يعز عليه للحق المبين حريص عليكم في إن تسلموا وتنقادوا إلى ما فيه سعادتكم وهو الايمان بالله وما جاء من عند الله ومع هذا الحضور النبوي أوقع العتب عليه تعليما لنا وإيقاظا له فإن الإنسان محل الغفلات وهو فقير بالذات وقد استحق الجاه والمال أن يستغني بهما من قاما به ولذلك قال أما من استغنى وما قال أما من هو غني فإنه على التحقيق ليس بغني بل هو فقير لما استغنى به فقال ص إن الله أدبني فأحسن أدبي فمن مكارم الأخلاق الإقبال على الفقراء والإعراض عن الأغنياء بالعرض من جاه أو مال فإذا رئ ممن هذه صفته الفقر والذلة بنزوله عن هاتين المرتبتين وجب على أهل الله الإقبال عليهم فإنهم إن أقبلوا عليهم وهم مستحضرون لما هم عليه من الجاه والمال تخيلوا أن إقبال أهل الله عليهم لجاههم ولمالهم فيزيدون رغبة في بقاء ما هم عليه فلذلك منع الله أهله أن يقبلوا عليهم إلا بصفة الزهد فيهم فإذا اجتمع في مجلس أهل الله من هو فقير ذليل منكسر وغني بماله ذو جاه في الدنيا أظهر القبول والإقبال على الفقير أكثر من إظهاره على الغني ذي الجاه لأنه المقصود بالأدب الذي أدب الله تعالى به نبيه ص غير إن صاحب هذه الصفة يحتاج إلى ميزان الحق في ذلك فإن غفل عنه كان الخطاء أسرع إليه من كل شئ وصورة الوزن فيه أن لا يرى في نفسه شغوفا عليه ولا يخاطبه أعني لا يخاطب هذا الغني ولا ذا الجاه بصفة قهر تذله فإنه لا يذل تحتها بل ينفر ويزيد عظمة وأنت مأمور بالدعوة إلى الله فادعوه كما أمر الله نبيه ص أن يدعو الناس تعليما له ولنا فإنا مخاطبون بالدعاء إلى الله كما قال أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وقال له ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فإن جادلوك فجادلهم بالتي هي أحسن وقال لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك هذه هي الصفة اللازمة التي ينبغي أن يكون الداعي عليها ولا يجعل في نفسه عند دعائه لمن هذه نعوته من عباد الله طمعا فيما في أيديهم من عرض الدنيا ولا فيما هو عليه من الجاه فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فلا تخلعن ثوبا ألبسكه الله وليس له تصرف إلا في هذا الموطن فهذا معنى الحكمة وما عتب الله نبيه ص في الأول إلا لعزة قامت بنفس أولئك النفر مثل الأقرع بن حابس وغيره فقالوا لو أفرد لنا محمد مجلسا جلسنا إليه فإنا نأنف أن نجالس هؤلاء الأعبد يعنون بذلك بلالا وخبابا وغيرهما فرغب النبي ص لحرصه على إيمانهم ولعلمه أنه يرجع لرجوعهم إلى الله بشر كثير فأجابهم إلى ما سألوا وتصدى إليهم لما حضروا وأعرض عن الفقراء فانكسرت قلوبهم لذلك فأنزل الله ما أنزل جبرا لقلوب الفقراء فانكسر الباقي من نفوس أولئك الأغنياء الأعزاء وقيل له ما عليك إلا البلاغ وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ونزل الله عليه عبس وتولى الآيات وأنزل عليه واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآيات وفيها وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ثم ذكر ما للظالمين عند الله في الآخرة فطريقة الإرشاد والدعاء إلى الله ميزانها الغني بالله عما في أيديهم وما يكون بسببهم فإن لم تكن في نفسك بهذه المثابة فلا تدع واشتغل بدعاء نفسك إلى الاتصاف بهذه الصفات المحمودة عند الله ولا تتعد الحد الذي أنت عليه ولا تخط في غير ما تملكه
(٢٦٥)