بين الطريقين ولما ذا سميت كيمياء السعادة لأن فيها سعادة لا بد وزيادة ما عند الناس من أهل الله خير منها وهو أنه يعطيك درجة الكمال الذي للرجال فإنه ما كل صاحب سعادة يعطي الكمال فكل صاحب كمال سعيد وما كل سعيد كامل والكمال عبارة عن اللحوق بالدرجة العلي وهو التشبه بالأصل ولا يتخيل أن قول النبي ص كمل من الرجال كثيرون أنه أراد الكمال الذي ذكره الناس وإنما هو ما ذكرناه وذلك بحسب ما يعطي الاستعداد العلمي في الدنيا فلنتكلم إن شاء الله على كيمياء السعادة بعد هذا التمهيد والله الموفق لا رب غيره.
(وصل في فصل) اعلم أن الكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة فأخذها آدم ع بحكم العناية الإلهية وهو مقام أخص من الرسالة في الرسل لأنه ما كل رسول خليفة فإن درجة الرسالة إنما هي التبليغ خاصة قال تعالى ما على الرسول إلا البلاغ وليس له التحكم في المخالف إنما له تشريع الحكم عن الله أو بما أراه الله خاصة فإذا أعطاه الله التحكم فيمن أرسل إليهم فذلك هو الاستخلاف والخلافة والرسول الخليفة فما كل من أرسل حكم فإذا أعطى السيف وأمضى الفعل حينئذ يكون له الكمال فيظهر بسلطان الأسماء الإلهية فيعطي ويمنع ويعز ويذل ويحيي ويميت ويضر وينفع ويظهر بأسماء التقابل مع النبوة لا بد من ذلك فإن ظهر بالتحكم من غير نبوة فهو ملك وليس بخليفة فلا يكون خليفة إلا من استخلفه الحق على عباده لا من أقامه الناس وبايعوه وقدموه لأنفسهم وعلى أنفسهم فهذه هي درجة الكمال وللنفوس تعمل مشروع في تحصيل مقام الكمال وليس لهم تعمل في تحصيل النبوة فالخلافة قد تكون مكتسبة والنبوة غير مكتسبة لكن لما رأى بعض الناس الطريق الموصل إليها طاهر الحكم ومن شاء الله يسلك فيه تخيل أن النبوة مكتسبة وغلط فلا شك أن الطريق يكتسب فإذا وصل إلى الباب يكون بحسب ما يخرج له في توقيعه وهنالك هو الاختصاص الإلهي فمن الناس من يخرج له توقيع بالولاية ومنهم من يخرج له توقيع بالنبوة وبالرسالة وبالرسالة والخلافة ومنهم من يخرج له توقيع بالخلافة وحدها فلما رأى من رأى أن هؤلاء ما خرج لهم هذا التوقيع إلا بعد سلوكهم بالأفعال والأقوال والأحوال إلى هذا الباب تخيل أن ذلك مكتسب للعبد فأخطأ واعلم أن النفس من حيث ذاتها مهياة لقبول استعداد ما تخرج به التوقيعات الإلهية فمنهم من حصل له استعداد توقيع الولاية خاصة فلم يزد عليها ومنهم من رزق استعداد ما ذكرناه من المقامات كلها أو بعضها وسبب ذلك أن النفوس خلقت من معدن واحد كما قال تعالى خلقكم من نفس واحدة وقال بعد استعداد خلق الجسد ونفخت فيه من روحي فمن روح واحد صح السر المنفوخ في المنفوخ فيه وهو النفس وقوله في أي صورة ما شاء ركبك يريد الاستعدادات فيكون بحكم الاستعداد في قبول الأمر الإلهي فلما كان أصل هذه النفوس الجزئية الطهارة من حيث أبيها ولم يظهر لها عين إلا بوجود هذا الجسد الطبيعي فكانت الطبيعة الأب الثاني خرجت ممتزجة فلم يظهر فيها إشراق النور الخالص المجرد عن المواد ولا تلك الظلمة الغائية التي هي حكم الطبيعة فالطبيعة شبيهة بالمعدن والنفس الكلية شبيهة بالأفلاك التي لها لفعل وعن حركاتها يكون الانفعال في العناصر والجسد الكون في المعدن بمنزلة الجسم الإنساني والخاصية التي هي روج ذلك الجسد المعدني بمنزلة النفس الجزئية التي للجسم الإنساني وهو الروح المنفوخ وكما أن الأجساد المعدنية على مراتب لعلل طرأت عليهم في حال التكوين مع كونهم يطلبون درجة الكمال التي لها ظهرت أعيانهم كذلك الإنسان خلق للكمال فما صرفه عن ذلك الكمال إلا علل وأمراض طرأت عليهم إما في أصل ذواتهم وإما بأمور عرضية فاعلم ذلك فلنبتدئ بما ينبغي أن يليق بهذا الباب وهو أن نقول إن النفوس الجزئية لما ملكها الله تدبير هذا البدن واستخلفها عليه وبين لها أنها خليفة فيه لتتنبه على أن لها موجدا استخلفها فيتعين عليها طلب العلم بذلك الذي استخلفها هل هو من جنسها أو شبيه بها بضرب ما من ضروب المشابهة أو لا يشبهها فتوفرت دواعيها لمعرفة ذلك من نفسها فبينما هي كذلك على هذه الحالة في طلب الطريق الموصلة إلى ذلك وإذا بشخص قد تقدمها في الوجود من النفوس الجزئية فأنسوا به للشبه فقالوا له أنت تقدمتنا في هذه الدار فهل خطر لك ما خطر لنا قال وما خطر لكم قالوا